القدرات الخارقة للعقل
تنبه الإنسان منذ فجر التاريخ إلى وجود ملكات ذهنية تكمن في جوهره . و قد ظهرت هذه القدرات جلياً عند المتصوفين و الأولياء و أصحاب البصيرة المشاهير ، الذين دربوها فانتعشت لديهم ثم راحوا ينجزون المعجزات ! و تبوؤا بها مناصب عالية على مرّ التاريخ .
و بالإضافة إلى تعاليمهم و مسالكهم الروحانية المختلفة ، و التي تهدف إلى تنشيط النزعة الروحانية الأصيلة في جوهر الإنسان ، ظهرت من جهة أخرى تعاليم سحرية مختلفة تساعد الإنسان على استنهاض تلك القدرات الخفية ، لكن بالاعتماد على مفاهيم منحرفة لا أخلاقية هدفها هو استنهاض تلك القدرات فقط ، دون النظر في تهذيب الإنسان أخلاقياً أو توجيهه نحو أغراض إنسانية أصيلة .
لكن رغم هذا كله ، مرّت هذه التعاليم السحرية أيضاً بفترة انحطاط عبر العصور ، و سقطت إلى مستوى الدجالين و كهنة المعابد و المشعوذين . فأدخلوا إليها معتقدات و تقاليد و طقوس مختلفة عملت على انحراف هذه التعاليم و تشويه مبادئها الحقيقية و ابتعدوا بهذه العلوم السحرية عن الحقيقة تماماً . و لعبت تلك الطقوس القبيحة دوراً كبيراً في ابتعاد الناس عن هذا المجال ، فبغضها الناس و استبعدوا حقيقة وجودها و لحق العار بمن مارسها !. و كيف لا نحتقر تلك التعاليم السخيفة و طقوسها و شعوذتها الموروثة من عصور غابرة و التي أصبحت بالية و خالية من المصداقية ؟. كيف يمكن لأحدنا ، في القرن الواحد و العشرين ، أن يتعامل مع تعاليم و وصفات غير إنسانية و لا حضارية مثل عملية سلخ جلود عشرة ضفادع من أجل صنع طاقية إخفاء ! أو رسم إحدى الأختام أو الطلاسم على ورقة و نقعها في كوب ماء و شربها من أجل تنشيط الذاكرة ! و غيرها من خزعبلات صنعها الدجالون و المشعوذون المزوّرون ؟!. كيف يمكننا أن نتعامل مع تعاليم سحرية تستخدم الأختام و الطلاسم ، و إقامة الطقوس السحرية المختلفة ، و استخدام مصطلحات مثل : العصا السحرية ، المرآة السحرية ، ضرب المندل ، تحضير الأرواح و الشياطين ، و طرد الشيطان ، و التسخير و الاستخارة … و غيرها من مصطلحات بالية تستند إلى مفاهيم قديمة طوى عليها الزمن و لم تعد ترقى إلى مستوى واقعنا العصري المتحضّر ؟!.
لكن في النهاية ، وجب علينا أن نعترف بحقيقة لا يمكن إنكارها أو تجاهلها . إن تلك المصطلحات التي استخدمت عبر العصور ، رغم مظهرها القبيح الذي لم يعد يناسب عصرنا الحالي ، إلى أنها تشير إلى جزء من حقيقة واقعية لكننا لم نفطن لها . لأنها تمثّل عالم آخر غير مرئي .. واقع آخر على المستوى ألجزيئي .. ليس عالم أرواح و أشباح و غيرها من كائنات خيالية .. بل عالم يملأه حقول طاقة مختلفة .. أشكال و مجسمات بايوبلازمية مختلفة الأنواع .. هذه الحقول و المجسمات تخفي في طياتها معلومات معيّنة يمكن استخلاصها و إدراكها عن طريق قنوات عقلية خاصة .. إننا أمام عالم أفكار و معلومات و رسائل خفية لا يستوعبها سوى عقلنا الخفي ( العقل الباطن ) الذي يتعامل معها و يتجاوب لها دون شعور منا بذلك .. هذا العالم الغير مدرك ليس له حدود زمنية ثابتة .. يمكن أن ينحرف فيه الزمن .. فيمكن لمن يتواصل مع هذا العالم أن يتوجّه إلى الخلف أو الأمام و الحصول على معلومات ليس لها حدود .. هذا العالم الغير ملموس تختلف مفاهيمه تماماً عن تلك التي اعتدنا عليها .. و يتعامل العقل مع هذا العالم الغامض من خلال قنوات حسية خاصة يملكها الإنسان لكنه يجهل كيفية استخدامها و تنشيطها .. لأنه لم ينشأ على معرفتها .. فيستبعد حقيقة وجودها .. خاصة بعد أن لطّخ هذا المجال بصورة قبيحة ارتبطت بالسحرة و المشعوذين و الدجالين .. مما جعله محرّم من جميع السلطات ، الدينية و العلمية و الأمنية .. مع أن الحقيقة هي غير ذلك .. رغم أنه يشكّل مجال دراسة يكاد يكون الأنبل و الأكثر فتنة للقلوب .. لأنه المجال الوحيد الذي وجب على ممارسيه أن يتصفوا بدرجة عالية من الروحانية و الصفاء الفكري و الزهد .. هذه شروط أساسية من أجل التواصل مع العقل الكوني .. هذا الكيان العظيم الذي هو جوهر الإنسان .. مصدر الإنسان و فناؤه .
يمكن أن تتجلّى القدرات العقلية الخارقة بالمظاهر التالية :
ـ الاستبصار Clairvoyance : و هو القدرة على رؤية أحداث أو أشياء أو أشخاص ، ليس بواسطة العين العادية ، إنما بحاسة داخلية يشار إليها بـ”العين الثالثة” . هذه القدرة ليس لها مسافة محدّدة تلتزم بها ، فيمكن أن تتجلى برؤية شخص أو حادثة في غرفة مجاورة ، أو رؤية شخص أو حادثة على بعد آلاف الكيلومترات ، لكن في كلا الحالتين ، هي عملية رؤيا خارجة عن مجال النظر العادي .
ـ الجلاء السمعي Clairaudience : هو قدرة الحصول على معلومات عن أحداث أو أشخاص من خلال حاسة سمعية داخلية ، ليس لها علاقة بحاسة السمع التقليدية . و قد تأتي بشكل همسات محببة جميلة ، كألحان موسيقية أو أجراس أو غناء . و يمكن أن تأتي على شكل طرقات قوية على الخشب أو الحديد مثلاً ، أو صفّارة إنذار أو أي صوت مزعج آخر يعمل على لفت الانتباه . و أحياناً كثيرة ، بدلاً من أن يأتي الصوت من داخل الذهن ، يتجلّى بشكل واضح مما يجعله مسموع عن طريق الأذن ، فيبدأ الشخص بالالتفات حوله فلا يرى شيئاً . و لهذا الصوت مظاهر كثيرة ، فيمكن أن يتشابه لصوت الشخص المعني ، مع اختلاف في النبرات و السرعة و التعبير . و يمكن أن يكون صوت أشخاص آخرين . و قد تبدو نبرة هذا الصوت سلطوية أو تحذيرية أو تشجيعية ، و يمكن أن يتخذ نبرة عاطفية حنونة ، أو نبرة عاقلة منطقية واقعية .
ـ الشعور باليقين من أمر معيّن Clairsentience : هذه الحاسة هي الأكثر شيوعاً بين الناس . يمكن أن تتجلّى بظهور فجائي لجواب على سؤال معيّن ( ذكرناها سابقاً ) ، و يمكن أن يظهر كإنذار مسبق بحصول حادثة معيّنة أو خطر ما ، أو المعرفة المسبقة لنتيجة عمل ما . غالباً ما يترافق مع هذا الشعور ، ( خاصة قبل حصول شيء غير محبّب ) ، انفعالات فيزيائية أو جسدية ، كشعور غريب في منطقة القلب ، أو إحساس غريب في المعدة ( البطن ) ، أو تنميل الجلد ( الشعور بوخزات خفيفة في الجلد ) ، و غيرها من إحساسات جسدية مختلفة باختلاف الأشخاص . و قد تأتينا المعلومات في هذه الحالة على شكل فكرة عادية ، تخطر في الذهن بطريقة عادية ، كما باقي الأفكار ، و هذا ما يجعلنا نخلط بينها و بين الأفكار العادية ، فلا نعطيها أهمية بالغة لأننا نعتبرها كأي فكرة عاديةأ خرى.
ـ قدرة الإدراك بواسطة “الذوق” و “الشم” Clairsavorance -Clairscent :
هذه القدرات هي الأقلّ شيوعاً بين البشر ، لكنها مشابهة لتلك التي عند الكلاب و الكائنات الأخرى .
ـ التخاطر و توارد الأفكار Telepathy :
هي عملية انتقال الأفكار من شخص لآخر على المستوى اللّاوعي ، دون أن يشعران بذلك . أو على المستوى الواعي ، كعملية قراءة الأفكار ، أو التحكّم عن بعد ( برمجة عقول الآخرين ) .
ـ القدرة على إدراك عوالم أخرى . Perception 0f Other Realms :
هي القدرة على الإنتقال إلى عوالم غريبة ، أو رؤية كائنات غريبة ، خارجة عن منظومتنا الحياتية . و هذه الكائنات قد تشمل أشخاص فارقوا الحياة ، أرواح مرشدة ، ملائكة ، جنّ ، و كائنات أخرى .
ـ القدرة على استخلاص المعلومات من خلال الأشياء Psychometry :
يمكن عن طريق حمل شيء معيّن في اليد ، استخلاص المعلومات عن هذا الشيء أو معلومات عن صاحب هذا الشيء ، مهما كان بعيداً . و قد تأتي هذه المعلومات بشكل انطباعات مرئية أو صوتية أو أفكار أو شعور مشابه لشعور صاحب الشيء .
تجاوز حاجز الزمن :
هذه القدرات ليست محدودة ضمن حاجز مكاني أو زماني محدّد . أي أنه ليس لها مسافة محدودة ، كما رأينا . لكن بنفس الوقت ، فهي تجتاز الحاجز لزمني أيضاً . حيث يستطيع الشخص النظر إلى الأمام و الوراء في الزمن بنفس الوقت ! .
ـ الإدراك المسبق Precognition :
هو القدرة على معرفة حادثة قبل حصولها . و قد تتجلّى هذه القدرة أثناء الصحو ، أو النوم ( الحلم ) . و يمكن أن تتخذ أي شكل من الأشكال الإدراكية التي ذكرناها سابقاً .
ـ الإدراك الإسترجاعي Retrocognition :
هو القدرة على معرفة معلومات تفصيلية معيّنة عن حادثة حصلت في الماضي ، دون الاستعانة بأي من الوسائل التقليدية المعروفة . و يمكن أن تتخذ أي شكل من الأشكال الإدراكية التي ذكرناها سابقاً .
ـ قدرة التأثير على الأشياء بواسطة الفكر Telekinesis :
هي القدرة على إحداث تغييرات في حالة الأشياء الفيزيائية بواسطة الفكر ، و تتجلّى هذه القدرة بجعل الأشياء ترتفع في الهواء أو تتحرّك من مكان إلى آخر ، أو حتى تختفي من مكانها و تظهر في مكان آخر ! أو اختراق الجدران ، أو يمكن أن تتجلّى بالقدرة على إجراء تغييرات واضحة في محلول كيميائي معيّن ! أو غيرها من أمور و إنجازات مخالفة للقوانين الفيزيائية المألوفة .
ـ الارتفاع في الهواء Levitation :
القدرة على الارتفاع عن الأرض دون الاعتماد على أي وسيلة فيزيائية معروفة .
ـ القدرة على إحداث تغيرات بايولوجية و جسدية و التحكم بوظائف الأعضاء الجسدية و تجاهل الألم ، عن طريق الفكر :
تجلّت هذه القدرة في مذاهب صوفية مختلفة عند جميع الشعوب . و تتمثّل هذه القدرة بمظاهر مختلفة كالمشي على النار عاري القدمين أو غرس السيوف في أماكن مختلفة من الجسم أو التحكّم بوظائف الأعضاء الجسدية المختلفة كإبطاء عملية التنفّس أو ضربات القلب أو تقوية جهاز المناعة أو غيرها من وظائف جسدية أخرى ! كل ذلك عن طريق طاقة الفكر !.
ـ نالت هذه الظواهر العقلية الغير مألوفة اهتمام رجال العلم البارزين منذ بدايات العصر التنويري في أوروبا ، بعد أن تحرر الفكر الإنساني من سطوة الكنيسة و رجالها . و نظر إليها لأوّل مرّة كموضوع بحث متحرر من التعاليم الصوفية و السحرية التي طالما التزمت بها بشكل صميمي . و أخضعت للبحوث العلمية و التجارب المخبرية المستقيمة ، و قد ظهرت مذاهب علمية كثيرة تتناول هذه الظواهر . كل مذهب ينظر إليها من زاويته الخاصة و المناسبة . و سوف نتناولها في الجزء القادم من الكتاب ، نذكر منها :
مذهب التنويم المغناطيسي
سنقوم بدراسة هذا المذهب العلمي منذ أن دخل إلى العالم الأكاديمي على يد الطبيب النمساوي فرانز أنتون ميزمر (1734م ـ 1815م ) . ثم دراسات البروفيسور أليستون ، من جامعة لندن ( 1791م ـ 1868م ) . و الطبيب جيمس أسدايل ، مدير أحد المستشفيات الهندية في كالكوتا . ( 1808م ـ 1859م ) . و جيمس برايد (1795م ـ 1860م ) .
بالإضافة إلى علماء بارزين مثل : ليبالت ، غريغوري ، شاركوت ، ريشيه ، بيرنهايم ، غورني ، جانيت ، دي روكاس ، شرينك نوتزنغ ، ميلني ، برامويل ، بويراك ، ألتروز ، و غيرهم من رجال علم شاركوا بدراساتهم المختلفة في كشف الستار عن خفايا الإنسان و قدراته الفكرية الهائلة .
مذهب الأبحاث الروحية
في العام 1882م ، أسّست جامعة كامبردج البريطانية ، ما سميت بـ”جمعية بحث القدرات الروحية” The Society for Psychical Research . و كان أول رئيس لهذه الجمعية أحد الشخصيات المشهورة في المجتمع الأكاديمي ، هنري سيدغويك ، البروفيسور في الفلسفة الأخلاقية في جامعة كامبردج . و كان هدف هذه الجمعية كما جاء في التقرير الذي نشرته عام تأسيسها ـ هو دراسة الظواهر الخارقة و الروحية المختلفة من غير أحكام مسبقة ، و بالروح الحيادية ذاتها التي مكّنت العلم من دراسة مختلف الظواهر الطبيعية الأخرى بشكل دقيق . و من نتائج هذا الاهتمام ، تم تأسيس “الجمعية الأمريكية للأبحاث الروحية ” American Society of Psychical Research ، في ولاية بوسطن عام 1885م ، وقد استقطبت أيضاً شخصيات لامعة في دنيا العلم مثل عالم النفس و الفيلسوف القدير وليم جيمس .
كان تأسيس هذه الجمعيات ( بالإضافة إلى جمعيات تأسست في فرنسا و هولندا و ألمانيا و روسيا و غيرها من دول أوروبية أخرى ) ، تعمل كدافع رئيسي للاهتمام بما نسميها اليوم بالظواهر الخارقة . حيث كانت الدراسات التي تقيمها هذه الجمعيات غير مكثّفة و كانت في الغالب تتخذ شكل المشاهدات و تسجيل مواصفات و ميّزات تلك الظواهر .
من أبرز رجال هذا المذهب : البروفيسور فريدريك مايرز ، البروفيسور أرثر جيمس ، البروفيسور هينري بورغسون ، البروفيسور س.د.برود ، البروفيسور بويد كاربنتر ، البروفيسور وليلم كروكس ، البروفيسور هانز دريتش ، و غيرهم من رجال علم و كاديميين بارزين .
في العام 1882م ، أسّست جامعة كامبردج البريطانية ، ما سميت بـ”جمعية بحث القدرات الروحية” The Society for Psychical Research . و كان أول رئيس لهذه الجمعية أحد الشخصيات المشهورة في المجتمع الأكاديمي ، هنري سيدغويك ، البروفيسور في الفلسفة الأخلاقية في جامعة كامبردج . و كان هدف هذه الجمعية كما جاء في التقرير الذي نشرته عام تأسيسها ـ هو دراسة الظواهر الخارقة و الروحية المختلفة من غير أحكام مسبقة ، و بالروح الحيادية ذاتها التي مكّنت العلم من دراسة مختلف الظواهر الطبيعية الأخرى بشكل دقيق . و من نتائج هذا الاهتمام ، تم تأسيس “الجمعية الأمريكية للأبحاث الروحية ” American Society of Psychical Research ، في ولاية بوسطن عام 1885م ، وقد استقطبت أيضاً شخصيات لامعة في دنيا العلم مثل عالم النفس و الفيلسوف القدير وليم جيمس .
كان تأسيس هذه الجمعيات ( بالإضافة إلى جمعيات تأسست في فرنسا و هولندا و ألمانيا و روسيا و غيرها من دول أوروبية أخرى ) ، تعمل كدافع رئيسي للاهتمام بما نسميها اليوم بالظواهر الخارقة . حيث كانت الدراسات التي تقيمها هذه الجمعيات غير مكثّفة و كانت في الغالب تتخذ شكل المشاهدات و تسجيل مواصفات و ميّزات تلك الظواهر .
من أبرز رجال هذا المذهب : البروفيسور فريدريك مايرز ، البروفيسور أرثر جيمس ، البروفيسور هينري بورغسون ، البروفيسور س.د.برود ، البروفيسور بويد كاربنتر ، البروفيسور وليلم كروكس ، البروفيسور هانز دريتش ، و غيرهم من رجال علم و كاديميين بارزين .
مذهب الباراسيكولوجيا
كانت الدراسات ، التي تناولها مذهب الأبحاث الروحية ، في بدايات دخولها إلى رحاب الظواهر الماورائية ، و لم يتمكن هؤلاء العلماء الروّاد من التمييز بين القدرات الفكرية و الظواهر الماورائية المختلفة ، و لم يتوصّلوا إلى تلك التصنيفات التي نعرفها اليوم . فكانت دراساتهم تشمل :
1ـ التخاطر 2ـ التنويم المغناطيسي 3ـ الحساسية الإدراكية 4ـ سماع أصوات أو مشاهدات لكائنات غريبة 5ـ التعامل مع الأرواح 6ـ معرفة أحداث ماضية أو غيبية .
هذه الدراسات لم تتخذ شكلاً مختلفاً ( أكثر تقدماً ) إلا بعد حولي أربعة عقود .
في العام 1927م ، انتقل عالم النفس الاجتماعي وليم مكدوغل إلى جامعة ديوك في ولاية كارولاينا الشمالية ، ليصبح رئيساً لقسم علم النفس فيها . و انتقل إلى القسم نفسه عالم بيولوجيا النبات المعروف جوزيف راين ، الذي يعدّ المؤسس الحقيقي لعلم “الباراسايكولوجيا” ، فقام راين و زوجته لويزا الدكتورة المعروفة ، و البروفيسور ماكدوغل ، بدراسة ظواهر القدرات العقلية بشكل مكثّف ، و أدّت جهودهم إلى إنشاء أول مركز أبحاث تجريبية للدراسات الباراسيكولوجية في العالم ، و هو مختبر الباراسيكولوجيا في جامعة “ديوك” عام 1934م . و منذ ذلك الوقت استمرّت و تكثّفت الدراسات حول ظواهر فكرية مختلفة ، على المستويين النظري و التجريبي . و أصبح هناك الآن ، العشرات من الجمعيات و المختبرات العلمية و الأكاديمية في مختلف أنحاء العالم ، تهتم بدراسة مختلف الظواهر الباراسيكولوجية ، و قد توصّلت هذه المختبرات إلى اكتشاف حقائق كثيرة لها أهمية بالغة في خدمة الإنسان و البيئة و غيرها من استخدامات إنسانية أخرى ، لكن للأسف الشديد ، معظم هذه الحقائق الجديدة لازالت سريّة ، لأسباب كثيرة استراتيجية أو عسكرية أو حتى دينية أو أيديولوجية ، أو غيرها من أسباب سخيفة لا ترتفع إلى مستويات إنسانية و أخلاقية حقيقية .
العلوم الوسيطية الاستراتيجية
التي انبثقت من الاتحاد السوفييتي .
أدّت التسريبات التي حصلت في الستينات من القرن الماضي إلى كشف الستار عن الآلة الوسيطية العملاقة التي نشأت داخل الستار الحديدي . و الذي ميّز العلوم السوفيتية عن العلوم الوسيطية الغربية هو أن السوفييت كانوا يبحثون في سبل الاستفادة منها لمآربهم الاستراتيجية المختلفة . بينما العلوم الوسيطية الغربية كانت لاتزال تقيم أبحاث و دراسات مختلفة و تبذل جهود مضنية ، ليس من أجل الاستخدام بل من أجل إثبات هذه الظواهر التي واجه الباحثون فيها معارضة شرسة من قبل المؤسسات الدينية و العلمية على السواء .
فلم ترقى البحوث الغربية إلى مستوى البحث في طريقة استخدام هذه القدرات ، بل كانوا لازالوا في مستوى محاولة إثبات وجودها !. و هذا الذي جعل روسيا تسبقهم و تتقدّم عنهم في هذا المجال مسافة نصف قرن تقرياً !. من أهم الرجال الذين شاركوا في إنشاء هذا المذهب العلمي ( المنافي تماماً للفكر الشيوعي السائد في حينها ) :
بيرنارد بيرناردوفيتش كازينسكي ، فلاديمير بكتيريف ، ليونيد فاسيلييف ، الذين يعدون من المؤسسين الأوائل لهذا المذهب العلمي الذي أصبح سري لخطورته الاستراتيجية . و جاء بعدهم علماء سوفييت آخرون برزوا في هذا المجال لكن أسماء معظمهم لازالت مجهولة .
العلوم الروحية الحديثة
الأمر الذي يميز هذه العلوم عن منافساتها هو أنها أقرب للروحانية و التصوّف من تلك التي تناولها العلماء العلمانيين . أصول هذه العلوم عريقة جداً بالإضافة إلى تعدد مذاهبها و مظاهرها المختلفة حول العالم و عبر التاريخ . أشهرها هي علوم اليوغا الهندية و التشيكونغ الصينية و الزن اليابانية و غيرها من مسالك فكرية مختلفة . لكن العلوم الروحية الحديثة اتخذت منحى أكثر علمانياً و بدأت تعتمد على أسس و مفاهيم علمية بحتة . أشهر تلك المذاهب الروحية الحديثة هي تلك التي أسسها الروحي الهندي الكبير ماهاريشي ماهيش يوغي .
وضع ماهاريشي أسس علمية لتكنولوجيا جديدة سماها تكنولوجية الفيدا . و يقول أن هذه القوانين العلمية تتوافق تماماً مع قانون الطبيعة الاصيل و ليس القوانين المزورة التي ابتكرها المنهج العلمي السائد . تعتمد هذه التكنولوجيا على الطاقة العقلية وليس سواها . فيستطيع الإنسان بعد السيطرة على طاقته العقلية أن يتحكم بقانون الطبيعة و من ثم توجيهه و تحريفه كما يشاء . أما الطريق الذي وجب سلوكه كي يصل إلى هذه المرحلة العقلية المتطورة فهو ما أسماه بالتأمّل ألتجاوزي TRANSCENDENTAL MEDITATION. فيصل بعدها إلى مستويات رفيعة من حالات الوعي مما يجعله يتحد مع المجال الكوني ( الوعي الكوني ) ، فيسيطر بعدها على قانون الطبيعة الحقيقي و يتحكم بمجرياته كما يشاء .
الطيران اليوغي YOGIC FLYING
إحدى القدرات التي يظهرها تلاميذ هذه التكنولوجيا الجديدة . هذه التمارين العقلية ليست معقدة كتلك التي جاءتنا من العصور القديمة ( اليوغا مثلاً ) بل سهلة جداً حيث يمكن لأي شخص ممارستها مهما كانت مستوياته العقلية أو الروحية أو الثقافية أو غيرها … و قد تمكن حوالي مئة ألف شخص حول العالم من إتقان هذه القدرة العجيبة على الارتفاع في الهواء .
و قد تم التأكد من صحة هذه التكنولوجيا علمياً و تأثيرها الإيجابي على ممارسيها ، بعد إقامة أكثر من خمس مئة بحث و دراسة مختلفة من قبل 214 جامعة و مؤسسة من 33 دولة حول العالم . و قد تناولتها أكثر من 100 مجلة علمية رسمية ، و جميع هذه الدراسات و الأبحاث توصلت إلى نتيجة واحدة فحواها أن هذه التكنولوجيا لها أثر إيجابي على جميع مجالات الحياة ، الفيزيائية و النفسية و البيئية و الاجتماعية
لكن السؤال هو :
لماذا لم نسمع عن هذه العلوم و التكنولوجيات حتى الآن رغم ظهورها إلى العلن منذ الستينات من القرن الماضي ؟
لماذا لم ندرسها في المدارس و الجامعات ؟ لماذا لم نراها على وسائل الإعلام ؟ ما هي الجهات التي تقف عائقاً أمام انتشار هذه العلوم ؟ و لماذا ؟ و من هو المستفيد ؟ من له مصلحة في إبقائنا على ما نحن عليه ، كائنات غبية مفرغة العقول , سهلة الانقياد ، أهداف سهلة لا حول لها و لا قوة ؟
الطاقة العقلية
جميع هذه المذاهب ، رغم اختلافاتها العديدة في التوجه و طريقة البحث والتفكير ، و رغم استخدامها لمصطلحات خاصة بها ( لكل مذهب تسمياته الخاصة ) مما زاد الفجوة التي عملت على ابتعاد هذه المذاهب عن بعضها لدرجة العداوة و التهجّم في بعض الأحيان ، نرى أنها تلتقي جميعاً في استنتاج مشترك يجمع بينها . تتجلى هذه الاستنتاجات بما يلي :
ـ أن هذه الظواهر الغير مألوفة تخضع لقوانين طبيعية خاصة بها ، مخالفة للمفاهيم العلمية السائدة . هذا جعل رجال العلم المنهجي عاجزون عن استيعابها و فهم طريقة عملها . لأنهم رجال ينتمون إلى منهج علمي يعتمد على منطق مختلف عن المنطق الذي يحكم هذه الظواهر ، مما جعلهم يواجهون صعوبة في صياغة نظريات صحيحة حول طريقة عملها .
ـ يمكن لهذه القدرات العقلية أن تعمل خارج حدود زمنية و مكانية محددة . فهي متناقضة تماماً مع القوانين النيوتونية التي وضعت حدود ثابتة للمكان و الزمان .
ـ المظاهر التي تميّزت بها هذه القدرات قامت بدحض جميع النظريات التي اعتمدت في تفسيرها لها على عناصر مثل ، موجات ، ذرات و جزيئات ، قوى ، حقول ، و غيرها من عناصر علمية تقليدية أخرى . ( لكن يتم استخدام هذه المصطلحات من أجل وصف مجريات عمل هذه القدرات ، و ليس من الضرورة أخذ هذه المصطلحات بحرفية الكلمة ) .
ـ هذه القدرات لا تتأثّر بالقوى الفيزيائية المعروفة : القوة النووية الشديدة ، القوّة النووية الضعيفة ، قوّة الجاذبية ، القوّة الكهرومغناطيسية …
ـ هذه القدرات لا تنتمي و لا تخضع لأي من القوانين الطبيعية المعروفة مثل : قانون الديناميحراري ، أو قانون الجاذبية ..
ـ هذه القدرات لا تتطلّب عملية تذبذبات الطاقة أو تبدلاتها في عملية التاثير عن بعد . فعملية اختفاء عملة نقدية مثلاً ، تتطلّب بالمفهوم الفيزيائي التقليدي ، طاقة قنبلة نووية صغيرة تقوم بمحوها عن الوجود . أما القدرات العقلية ، فطريقتها تختلف تماماً !.
ـ هذه القدرات العقلية لا تتوافق مع النظرية النسبية التي تقول بأنه لا يمكن للمادة أن تسافر بسرعة تفوق سرعة الضوء ، أي 186.000 ميل في الثانية . بل يبدو أن سرعتها لحظية ! أي أسرع من الضوء بكثير !.
ـ جميع المظاهر التي تميّزت بها هذه القدرات ، و التي تتناقض مع المفهوم العلمي المعاصر ، دفعت الباحثين إلى التوجه نحو مجالات أخرى ، خارجة عن حدود المنهج العلمي التقليدي ، في سبيل إيجاد تفسيرات مناسبة لها .
ـ بعد إدخال الأجهزة الإلكترونية المتطوّرة ، مثل GSR و EEG و غيرها ، لاحظ الباحثون حصول تغيرات بايولوجية معيّنة في جسم الوسيط أثناء قيامه بإحدى إنجازاته الفكرية الخارقة . و أشار جهاز فحص الموجات الدماغية EEG إلى أن الموجات الدماغية تنخفض إلى حالة ” ألفا ” ( بتردد 9 ـ 13 hz ) أو ” ثيتا ” ( بتردد 4 ـ 8 hz ) أو ” دلتا ” ( بتردد 1 ـ 3 hz ) أثناء قيام الوسيط بعمله .
و تبين أن هذه الحالات الدماغية هي ذاتها التي يتصف بها دماغ المتصوّف أثناء دخوله في حالة البحران ( النشوة الروحية ) ، و كذلك العرافين و المستبصرين الذين يدخلون في حالة شبه غيبوبة ( غشية أو شرود ) ليأتوا بمعلومات غيبية ، و كذلك النائمين مغناطيسياً ، و محضري الأرواح الذين يدخلون في حالة غيبوبة كاملة ، و المتأملين الروحيين ( اليوغا و التشيكونغ و غيرها من مذاهب تأملية ) أثناء دخولهم في حالة التأمل و التفكّر و التركيز ، و المقنقنين الذين يبحثون عن المياه و المعادن الدفينة بواسطة قضيب الرمان أو أي وسيلة الأخرى ، و حتى الذين يستخدمون التعاليم السحرية و يقرؤون النصوص المختلفة ( الأقسام و الدعوات و الصلوات ) و يكررونها عشرات المرات ، فيدخلون في حالة ” ألفا ” الدماغية و ينجزون بعض الأعمال السحرية و يظنون أن السرّ هو في النصوص و أسماء الآلهة المقدسين و الملائكة التي يتلونها و يكررونها مئات المرات ، و يجهلون أن عملية تكرار عبارات محددة مهما احتوته من كلمات ، تساعد الدماغ على الوصول إلى حالة ” ألفا ” الدماغية ، و إذا قاموا بالتعداد من 1 إلى 1000 تكون النتيجة واحدة .
ـ جميع الحالات التي ذكرناها سابقاً ( البحران ، الغشية ، الغيبوبة ، التامّل ، …) يشار إليها بحالات الوعي البديلة ( درجات متفاوته من الوعي ) . هذه الحالة الأخرى من الوعي تختلف تماماً عن حالة الوعي الطبيعية التي يتمتع بها الشخص . يمكن أن يدخلها الفرد طوعاً ( كما العرافين و المتأملين ) ، أو نتيجة عامل خارجي ( كما نوم المغناطيسي نتيجة إيحاءات المنوّم ) ، و يمكن أن تحصل بشكل تلقائي ( كما حالة الغيبوبة التي يدخلها الشخص فجأة دون تحضير سابق أو ظهور أحلام تنبؤية أثناء النوم العادي ) .
ـ الفرق بين الذين يتمتعون بقدرات فكرية خارقة و الإنسان العادي هو ليس لأنهم موهوبون يتلك القدرات دون غيرهم . بل يعود السبب إلى قدرتهم على الدخول في حالة وعي بديلة بسهولة تفوق قدرة الإنسان العادي . السرّ يكمن في القدرة على الدخول إلى ذلك المستوى من الوعي . و ليس بالطاقة الخارقة التي نتوهّم وجودها في جوهرهم . و يمكن لأي إنسان أن يتوصّل إلى هذه المرحلة من التحكم بحالة الوعي عنده ، بعد الخوض في تدريبات محددة تساعده على ذلك .
لكن قبل استيعاب هذه الفكرة جيداً ، وجب علينا أولاً تعريف الوعي . و قد خصصت قسماً كاملاً حول هذا الموضوع المهم .
سوف نقوم ببحث مجال القدرات العقلية بشكل مفصّل في الجزء القادم ، و سوف نتعرّف على السبب الذي جعل هذه العلوم تتعرّض لحملات شرسة من قبل جهات كثيرة عملت على إخمادها و التآمر على الباحثين فيها و إخفاء نتائج الدراسات التي تناولتها … و حرمان الشعوب منها ، فقط لأنها منافية لمصالحهم الدنيوية المختلفة .
ردود على "القدرات الخارقة للعقل"
أترك تعليقا