كتبنا في العلاقة التركية بسورية والمنطقة

بتاريخ 7:06 ص بواسطة ADMIN

في موقف لافت ومستغرب، عمد رئيس الوزراء التركي رجب اردوغان فور وقوع احتجاجات في سورية على الاتصال بالرئيس السوري بشار الأسد،حاثاً إياه إجراء إصلاحات. ومكرراً اتصالاته الناعمة ولكن غير الدبلوماسية في آن. لم تحترم مقتضيات السيادة وحسن الجوار . وأخذت أنقرة في تصعيد مفردات خطابها ضد سورية، حتى أن الرئيس التركي غول،قال أن باب التدخلات مفتوح على مصراعيه تجاه سورية، وقبل أن تبدأ أحداث جسر الشغور كانت انقرة تقيم مخيماً(5 نجوم) مزوداً بأسباب الراحة ، لاستقبال لاجئين لم يلجأوا إليه بعد ،ومطلوب ان يلجأوا والإقامة في المعسكر ، وفي آن مُنِع هؤلاء جراء الإشاعات والأكاذيب والإعلام المضلل من العودة ، بل وجرى تشجيع نزوحات أخرى والمبالغة في ارقامها.

ما سبق يؤشر على أن تركيا ضالعة في مخطط امريكي التمويل والتخطيط، مدعوما من عاصمتي الاستعمار القديم باريس ولندن وأطراف إقليمية .

وحيث لم يعد الأمر منذ عقود يتوقف عند إقامة ما قيل أنه (وطن قومي يهودي) وإنما تكريس الكيان الصهيوني كأقوى قوة عسكرية واقتصادية في المنطقة العربية وجوارها منفردة ومجتمعة وإخراج تل ابيب من العزلة الدولية التي وضعت نفسها فيها في السنوات الأخيرة، جراء تعنتها تجاه السلام وشنها حروباً أكثر بربرية وعدوانية على لبنان وغزة واعتداءات على سورية ولاستعادة ( إسرائيل ) قوة إقليمية اعظم، بعد هزيمتي 2006 و2008، لا بد من إعادة رسم المنطقة العربية التي تشكل سورية حلقتها المركزية بحكم علاقاتها الوثيقة مع إيران والمقاومات اللبنانية والفلسطينية والعراقية، وهي الأطراف التي تشكل بمجموعها مصدر قلق شديد وإعاقة لتمكين تل ابيب من أن تكون تلك القوة الأعظم، وبالتالي ضمان مصالح الغرب بعامة . لقد نحجت سورية في بناء علاقات تركية إيرانية طيبة، وأسهمت في مد أفق الأولى باتجاه المنطقة،، وكادت تبدو انقرة وكأنها باتت خارج واقعها الأطلسي ومعاهداتها الكثيرة مع (إسرائيل) وترؤسها حيناً قوات حلف الأطلسي في أفغانستان . وجاءت هزيمة(إسرائيل)مرتين خلال فترة زمنية متقاربة،بنتيجة حربها العدوانية على المقاومتين اللبنانية والفلسطينية.. وما تلا من صعود إيران في سلم الذاكرة الشعبية العربية، ودور سورية المركزي في ذلك،ما جعل المجتمع الدولي الغربي بمواجهة قوة إقليمية رئيسة ومتنامية قادرة على كسب حلفاء وأصدقاء من خارجها، وإسقاط محاور مقربة من الغرب. من هنا(من وجهة غربية)ليس كتركية قوة إقليمية قادرة على إعادة رسم خارطة المنطقة؛ بحكم الجوار والدين والعلاقات التاريخية والمصالح الاستراتيجية ، ومقاسمة إيران رصيدها الشعبي وتمدد قوتها والحد منه في المنطقة، حيث لا يمكن مواجهتها بفعل عسكري أخرق ستكون كلفته أكثر من عالية ونتيجته أقل من مضمونة . لقد فشلت القرارات الدولية ، والتفجيرات المسلحة والسياسية المعارضة ، على فرض الإذعان على النظام الإيراني ، بل ازداد النظام الإيراني رسوخاً وعناداً ضد واشنطن وحليفاتها. ولم يكن الأمر مختلفاً بالنسبة لسورية ، حيث مورست ضدها على مدى عقد ونيف ضغوطاً عديدة. ولعبت تركيا الأتاتوركية بحزبها الإسلامي الناعم الدور باقتدار..وتمكنت من احتلال موقع عظيم عربياً،رسمياً وشعبياً،وأصبحت الدراما التعبيرية التركية ( خبز ) المشاهد العربي، فيما لعب اردوغان بحنكة تحسب له دراما سياسية، وكان لدى الغريق العربي ما يكفيه لتقبل أبطال جدد يعيدون له الأمل بالخلاص من الصهيونية وتحقيق التوازن في العلاقة العربية الإيرانية. لم يكن الدور الذي أداه أردوغان مكلفاً لتركيا،ولم يصب إسرائيل سوى بـ (خدوش) ظاهرة. لكن الآمال الشعبية العربية كانت أكبر من مدلولاتها على الأرض،وبدا لواشنطن ان إسلام حزب التنمية والعدالة التركي،الناعم، لا يضر بمصالح الغرب الجوهرية، بل يخدمها في نواحٍ، ما شجعها على فتح حوارات جوهرية مع جماعات إسلامية عربية ،وخلق الظروف الملائمة لصعودها، وتفعيل علاقة قديمة مع جماعة سورية. وهدفت هذه الاستدارة الأمريكية لمحاصرة محور دمشق ـ طهران، ومن معهما من مقاومات وتحويل العقل العربي بخاصة والإسلامي من الصراع ضد إسرائيل إلى صراعات مذهبية،يقف على رأسها تركية وإيران،وشق العرب حولها. بل واحتمال تطور الأوضاع إلى صدامات مسلحة،وإشغال الشارع العربي بمطالب الحرية وحقوق الإنسان عن الصراع ضد إسرائيل. لقد أبلغت إيران؛تركية بهدوء عبر القنوات الدبلوماسية أن أمن سورية والتدخل في شؤونها الداخلية خط أحمرلا يسمح باختراقه،وجددت موقفها علنا بعد اتضاح دور تركية بدفع السوريين للنزوح ومنع عودتهم وإقامة المؤتمرات السرية والعلنية ضد سورية على اراضيها. وربما كان تصريح ارشاد هرمزلي مستشار الرئيس التركي غول، بان العلاقات التركية السورية علاقات قوية وراسخة ولا تتأثر بالاحداث الطارئة ، بمثابة مراجعة للموقف التركي الذي يفتح باب الشيطان الغربي على مصراعيه ويتيح حروباً إقليمية بين المتجاورين التاريخيين، بالنيابة عن الصهاينة وواشنطن وعواصم الاستعمار القديم. إن حديث هرمزلي الذي جاء في ندوة إلكترونية أقامها مركز الدراسات العربي الأوروبي، بأن تركية لا تصمم بيوت الاخرين ولا تملي عليهم ماذا يفعلوا، تعطي بعض الطمأنينة وقد تعني تصحيحاً مزمعا في موقفها . إن قبول تركية بأن تكون بيدقاً كبيراً في متناول الإرادات الغربية توجهها كيف تشاء، سيحرفها عن خياراتها وينشط الهويات الداخلية الضيقة، فضلاً عن دفعها لمصارعة مجاوريها على حساب العرب واليونان وعلى حساب مصالحها لدى المنطقة العربية ، التي ستصبح في حال نجاح المخطط الأمريكي؛ حديقة خلفية لـ (إسرائيل) ولن يتاح لتركية الوصول إليها إلا عبرها ، وفي حال فشل المخطط ، لن تكون المنطقة متاحة لها ، بما أسبقت من انقياد للغرب ليس لتركية مصلحة استراتيجية حقيقية ذكية في الانخراط في المخطط الأمريكي ضد سورية وضد أطراف إقليمية ودولية فاعلة واستخدام تحكمها في البحر الأسود ضد روسيا (..) مهما بلغت الوعود حدودها.



Bookmark and Share

ردود على "كتبنا في العلاقة التركية بسورية والمنطقة"

أترك تعليقا