قطاع النقل والشحن مع تركيا يموِّل من جيوب المواطن السوري والمعاملة ليست بالمثل
فرق سعر (المازوت) يجعل سورية بقرة حلوب لشاحنات وبرادات (الباب العالي)
ثمة مفارقة رقمية تفتح شهية النقاش والحوار حول مسبباتها وتداعياتها على الاقتصاد ككل وعلى قطاع بعينه، فالإحصائية القائلة بأن تعداد الشاحنات التركية الداخلة إلى سورية عام 2010 بلغ 68 ألف سيارة مقابل دخول 600 ألف سيارة إلى تركيا من الجانب السوري.
وبتحليل بسيط لتركيبة الواقعين السوري والتركي اقتصادياً وتجارياً طبعاً نجد بأن التدفق في قطاع الشحن باتجاه تركيا عبر سورية مرده لتلك الحلقة الوسيطة التي تؤمنها الأراضي السورية كبوابة لتركيا إلى المحيط العربي ولكن بقراءة مغايرة قد لا تكون هذه الأسباب هي الدافع لحركية السيارات الناقلة والعابرة إلى تركيا فالاختلاف في الأسعار ولاسيما بالنسبة لمصادر الطاقة يجعل سورية عبارة عن بقرة حلوب للمشتغلين في الترانزيت والنقل البري.
دلائل قاطعة
وبموجب تجارب ميدانية مثبتة بالدلائل القاطعة فإن السعي الحثيث لاستغلال فارق السعر الكبير في مجال المازوت والبنزين أصبح واضحاً لاسيما أن سعر ليتر المازوت الذي أصبح سعره 15 ليرة مؤخراً بعدما كان 20 ليرة يباع في تركيا بمعدل 110 ليرات.
وهنا مربط الفرس الذي يلامسه كل مطلع على حركة العبور على المنافذ الحدودية بين البلدين حيث تستغرب انطلاق بولمان سياحي أو سيارة شاحنة باتجاه تركيا براكب أو حتى اثنين أو ببضائع لا على التعيين من حيث الكمية دون مشكلة خسائر تذكر لأن البديل الجاهز هو التزود بالوقود النظامي أولاً وبتعبئة خزانات سرية جُهزت لتهريب المادة وهذا ما يفسر السفر حتى ولو براكب فالنية هي المازوت وليس غيره.
ولأن القضية هي من المعيار الثقيل فإن الأصوات راحت مؤخراً تنادي بإعادة دراسة هذا الموضوع من حيث الاتفاقيات المبرمة مع الجانب التركي وكذلك الالتزامات المتعلقة بالرسوم والضرائب الجمركية المفروضة هذا إذا استبعدنا الإشكالية المزمنة التي فرضتها آليات الدعم التي تقدمها الحكومة السورية لمادة المازوت والذي يعرف الجميع بأن تغطيتها تطال مواطني دول الجوار في ضوء عمليات التهريب التي تحصل لفارق السعر المعروف كما هو حال تركيا ولبنان والأردن و حتى العراق الذي يمتلك احتياطياً نفطياً كبيراً ولكنه فقير بالمشتقات النفطية.
وإذا كانت سورية ولبنان قد سارعتا إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع انتشار ظاهرة التهريب عبر سلسلة لقاءات وتشاورات ثنائية ترمي إلى كبح جماح هذا الجرح النازف في الاقتصاد السوري فإن مطالب عديدة وصلت إلى مسامع الحكومة السورية للقيام بإجراء مشابه مع الجانب التركي وهذا ما لم يحصل بعد لاسيما في ضوء الكميات الكبيرة التي تهرب إلى تركيا عبر الشاحنات المزودة بخزانات سرّية أو عبر معابر مخصصة للتهريب ولاسيما في حلب وادلب.
ضرر وضرار
ما ذكرناه سابقاً ليس كل شيء فالإطلاع على روح الاتفاقيات المعقودة مع تركيا يكشف لنا بأن هناك ثغرات أخرى تسبب الضرر والضرار على الاقتصاد السوري لا بل يشكل بعضها خسارات علنية ومفضوحة بالقياس إلى المكاسب التي تحصلها تركيا من العلاقة التجارية مع سورية، وهنا نستذكر بند إعفاء الشاحنات التركية من رسم الدخول بموجب اتفاقيات أوروبية في حين تسدد الشاحنات السورية المغادرة ألف دولار، والنقطة الأخرى أن السيارات التركية يحق لها تعبئة 400 ليتر والبرادات 600 ليتر مازوت وهناك اشتراطات أخرى فالشاحنات والبرادات يجب أن تكون حديثة الصنع كي يسمح لها بالدخول إلى الأراضي التركية.
أما الشاحنات التركية فهي معفاة تحت أي سنة صنع وهذا ما يشكل عنصراً ضاغطاً على الأسطول السوري لصالح التركي الذي يعتمد عليه بشكل أكبر لتلافي موضوع "العمر" وهذا ما يجعل شركات النقل وأصحاب الشاحنات في حالة كساد وعدم توفر فرص للنقل والعمل.
لا بد من حلها
لا يخفى علينا بأن التجارة وعمليات الشحن نشطت مع تركيا مؤخراً وتعددت البضائع مما حدا بشركات الشحن السورية على خلق مناخ جيد للبضائع التي يتم إنتاجها محلياً فأصبحت البضاعة السورية مرغوبة في تركيا والعكس صحيح لهذا يمكن القول بأن التعويل على الشق التجاري يعد مكسباً مزدوجاً لاسيما أن تركيا هي الشريك التجاري الإقليمي الأول وهي المستثمر الأجنبي رقم واحد في سورية.
ومع أن الاتفاقية السورية التركية المشتركة تنص على أن أي بضاعة سورية المنشأ لا تفرض عليها أية ضرائب ما عدا ضريبة المبيعات إلا أن رسوم المغادرة والشحن وتداعيات تسعير المازوت وكميات التزود تعد مشكلة كبيرة لابد من حلها وهذا ما يبتغيه العاملون في هذا القطاع من مشروع قانون نقل البضائع المطروح للنقاش العام من قبل وزارة النقل حيث يعتبر الكثير من رجال الأعمال والصناعيين أن المطلوب اليوم قبل أي وقت آخر إنصاف الأنشطة القطاعية المحلية ودعمها لاسيما بعد الخطوة الكبيرة التي تجسدت بإلغاء تأشيرة الدخول بين البلدين وهذا ما دفع إلى مزيد من التبادل والتواصل ولم يتبق إلا الاتفاق على النقاط التي تؤدي إلى جعل المصالح المشتركة هي الأساس لبناء العلاقة الاقتصادية.
ومن هنا لابد من الوصول لحل يرضي الطرفين في الموضوعات المتعلقة بنقل الركاب والبضائع والترانزيت والرسوم المفروضة والتراخيص المسموحة لسيارات نقل الركاب.
زبدة الكلام
خلاصة القول بأن أي اتفاق تجاري وصناعي خارجي يجب أن يعود بالفائدة على الاقتصاد الوطني وفي حال لم يحصل ذلك فالاستغناء عنه هو الأجدى، وهذا ما حصل حقيقة في ملف الشراكة الأوروبية الذي أوقفته سورية بعد أن وجدت نفسها في مواجهة اشتراطات وتدخلات سياسية واقتصادية هي بغنى عنها ويمكن الاستعاضة عنها بالتكتلات الثنائية والإقليمية المباشرة.
يذكر أن حجم التبادل التجاري مع تركيا يزداد سنوياً بحدود 30% بشكل متوازن حيث وصل عام 2010 إلى مليارين و272 مليون دولار مقارنة مع مليار و700 مليون دولار عام 2009 أما نسبة النمو في الصادرات السورية إلى تركيا فوصلت إلى 100%.