قوة التحفيز



التحفيز في المفهوم العام ببساطة هو مولد النشاط والفاعلية والتحفيز "في العمل" هو العصا السحريّة التي يمسك بها المدير لتحريك موظّفيه نحو الأفضل، فالشّعور الرائع الذي يحصل عليه الموظّف نتيجة التّحفيز هو ما يدفعه لأداء أفضل ما عنده.

من وجهة علم النفس

التّحفيز من خلال الكلمة الطيّبة وما تشيعه من روح متفائلة تنعكس إيجاباً على العمل والأداء، ويكون ذلك من خلال علاقة إنسانيّة ومهنيّة جيّدة. فيؤثّر التّحفيز بشكلٍ عام على الإنجاز الذي يقوم به الإنسان سواء في البيت أو العمل، ويجعله محبّا للشيء الّذي يقدم على فعله، ولذلك يؤثّر على نفسيّته في عدّة أمور منها: زيادة نواتج العمل من حيث كميّات الإنتاج والجودة والكفاءة في الأداء، وسرعة التّنفيذ والتّطوير في الأداء وزيادة فاعليّته. تخفيض الفاقد في العمل، ومثال ذلك تخفيض التّكاليف، وتخفيض الفاقد في الموارد البشريّة (أي زيادة ولاء العاملين للمؤسسة). إشباع احتياجات العاملين بشتّى أنواعها وعلى الأخصّ ما يسمّى بالتّقدير والاحترام والشّعور بالمكانة. إشعار العاملين بروح العدالة داخل المنظّمة. جذب العاملين إلى المنظّمة ورفع روح الولاء والانتماء. تنمية روح التّعاون بين العاملين وتنمية روح الفريق والتضامن. تمكين المؤسسة من تحقيق أهدافها. شعور العاملين بالرّضا عن المؤسّسة ممّا ينعكس إيجابيّاً على أدائهم.

وجهات النظر العلمية

ينظر بعض الباحثين إلى الأداء باعتباره حاصل ضرب القدرة في الدّافعيّة، كما في المعادلة التالية: (الأداء = القدرة × الدافعية)، فإن كانت دافعية الفرد لأداء العمل معدومة، أي صفر، أو لا يملك القدرة على أداء العمل إطلاقاً (صفر)، فلن يتمّ إنجاز العمل، أي أنّ الأداء سيكون صفراً أيضاً، وأيّ زيادةٍ في مقدار المتغيّريْن سيسهم في رفع الأداء؛ لذا يجب ألا تركّز المنظمة على رفع مستوى قدرة أفرادها وتهمل رفع مستوى دافعيّتهم. ويلاحظ أنّ العديد من المنظّمات تعالج انخفاض مستوى أداء أفرادها بإرسالهم لدوريّات تدريبيّة تهتمّ بتطوير الجانب المهاري الفنّي والإداري، رغم أنّ المشكلة ليست في مستوى قدرات الأفراد على أداء مهام عملهم ولكن في دافعيّتهم المنخفضة (رونالد، 1999).


الشروط الواجب توافرها لضمان نجاح الحوافز


  1. لا بدّ من وجود صلة وثيقة بين الحافز وأهداف العمل.
  2. أن ترتبط الحوافز بأهداف الأفراد والمنظّمة معاً .
  3. اختيار الوقت المناسب للتّحفيز وضمان الوفاء بالالتزامات التي تقرّرها الحوافز.
  4. ضمان العدالة والمساواة؛ بمعنى عدم تعميم الحوافز بل تقنينها.
  5. إدراك الأفراد للسّياسة التي تنظّم الحوافز؛ بحيث توضع لهم ليكونوا على بيّنة وعلم بها.
  6. أهميّة تفهّم الفرد للعلاقة بين الأداء المميّز –وليس الأداء العادي- وبين الحصول على الحافز.
  7. أن تتناسب الحوافز مع المخرجات ومقدار العائد.
  8. أن يتّفق الحافز مع الحاجات الملّحة لدى الفرد.
  9. أن تتناسب الحوافز طرديّاً مع المستوى التنظيمي للفرد.
  10. ألّا يكون الحافز مبنيّاً على قدرات الأشخاص المتفوّقين فقط.
  11. ألا تكون المكافأة غاية في حد ذاتها.
  12. تنمية روح معنى المبادرة في العمل.
  13. تعزيز روح العمل كفريق، أو كمجموعة واحدة.

الشعر العربي المعاصر في سورية

الشعر العربي المعاصر في سورية

الدكتور نعيم اليافي
مقدمة...
      من الصّعب على أيّ دارس أن يتناول موضوعاً واحداً ثلاث مرّات متتالية دون أن يقع في التكرار أو إعادة الإنتاج. لقد كلّفتني مؤسسة البابطين - مشكورةً - بالموضوع أوّل مرة, فكتبت من وجهة نظري عن (حركة الشعر الحديث في سورية ولبنان) منذ ولادته في القرن التاسع عشر حتى الوقت الحاضر, غير أن المؤسسة ردّته إليّ طالبةً الاختصار والحذف, فحذفت البداية كما حذفت النهاية وأبقيت على صلب الدراسة, فكان ثمة دراستان تختلفان في الكم, وربما في الكيف أيضاً, نشرت الموضوع كاملاً في كتابي (الشعر والتلقي), ونشرته مجتزءاً ضمن دراسات الجزء السادس من معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين. وكنت أثناء ذلك أو قبله قد كُلّفت في دمشق بكتابة دراسة عن مفهوم الحداثة العربية - الشعر السوري أنموذجاً - نُشرت في كتابي (أطياف الوجه الواحد).
      وحين رغبت إليّ المؤسسة هذه المرة أن أعيد دراسة الموضوع بفصل المسارين عن بعضهما, أحتفظ بأحدهما (السوري) وأدع الآخر لغيري (اللبناني), اضطررت أن اعيد صياغة منهج البحث, وأن أتمسّك في الوقت نفسه بمنهجي النقدي أو الفني, لأنّ الأوّل يتعلّق بمتطلّبات المادّة, أما الثّاني فيتعلّق بالرؤية.
      الحدّان المكاني والزماني لمجال البحث هنا هامّان, أقصد بالمكان سورية المعاصرة منذ أن حدّتها معاهدة سايكس بيكو, وأقصد بالزمان بدءاً من نهاية الحرب العالمية الأولى صعداً حتى أواخر القرن الحالي, وإذا كان الأول ثابتاً أو ساكناً فإن الثاني يتحرّك حركتين متداخلتين, الأولى وفق المفهوم المطلق, والثانية وفق المفهوم الفني, ولا بدّ للأوّل أن يؤثّر في الثاني سلباً أو إيجاباً, والعكس صحيح, وبتداخل المفهومين العام والخاص للزمن ينشأ مبدأ التطوّر, وبالتالي تتوالد الأجيال ويعقب بعضها بعضاً.
      أحدّد الجيل زمنياً بعشر إلى خمس عشرة سنة, وفنياً بالتغيّر أو التحوّل الذي يطرأ على التقنيّة والبنية, ثباتاً أو نكوصاً أو تقدّماً. وقد وجدت نفسي ألوب حتى حصرت الزمانين بخمسة أجيال:
      الجيل الأول - 1918 - 1934.
      الجيل الثاني - 1935 - 1948.
      الجيل الثالث - 1950 - 1967.
      الجيل الرابع - 1967 - 1990.
      الجيل الخامس - 1990 - .
      وهذه الأجيال الفنيّة قد تتداخل أو يعدو بعضها على بعض, بيد أنّها تصلح عناوين مؤقتة لدراسة الظاهرة الشعريّة المعاصرة في سورية, وستختلف الوقفة عند كل جيل وفق أهميته ودوره في ميدان الشعر.
1 - الجيل الأول الــــــــرواد 1918 - 1934
      حددنا بداية الشعر الحديث في سورية بالحرب العالمية الأولى وهذا التحديد لا يعني لدينا ربط الشعر بحدث تاريخي (خارجي) نجعله فيصلاً بين عهدين من عهود الشعر ومؤثراً فيه بقدر ما يعني ربطه بأحداث هامة (داخلية) تزامنت مع الحرب, قبلها وفي أثنائها وبعدها, وكانت هي الباعث أو البواعث على خلق هذا الشعر وعلى الانعطاف به في آن. من أهم هذه الأحداث: نتائج الصدام بين العرب والأتراك, ومشانق الشهداء, الثورة العربية الكبرى, اندحار الجيش العثماني وزوال السيطرة على المنطقة. إقامة الحكم العربي الأول, وقوع البلاد ثانية بين براثن الاستعمار الغربي للرجل الأبيض بعد الرجل المريض.. كل هذه الأحداث المتلاحقة والمصاحبة للحرب حرّضت الشعراء على قول الشعر وعلى الجهر به, وعلى صياغة جديدة تختلف عن صياغة عهد البواكير.
      وكما كان الاحتلال الإنجليزي لمصر عام 1882 والثورة العرابية الشعبية والوطنية التي قامت ضده وضد عرش الخديو باعثين من بواعث نشأة الشعر الحديث ومفجرين له في أرض الكنانة, كذلك كانت أحداث بلاد الشام بواعث ومفجرات لهذه النشأة في أرض العرب المركزية, ومثلما عُدَّ البارودي رائد شعر البعث والإحياء هناك, نستطيع أن نعدّ جملةً من الشعراء روّاد هذا الشعر هنا, وروّاد المدرسة الاتباعيّة المحافظة التي قيّض لها أن تكون فاتحته أيضاً.
      ومن الملاحظ أن معظم شعراء المدرسة في بلاد الشام وأرض الكنانة, وربما في بقية الأقطار العربية, قد عادوا إلى التراث وإلى فترته الشعرية الزاهية والألقة الممتدة من العصر الجاهلي حتى عصر المتنبي - لا إلى فترته الراكدة في أدب الدول المتتابعة كما فعل شعراء البواكير - ليستقوا منها ومن مكوناتها الفنية البنى الأساسية لقصائدهم وتصوراتهم ومفهوماتهم الشعرية على حد سواء, وتشير هذه العودة إلى الجذور, وتؤكد معاً, ثلاثة أمور على جانب كبير من الخطورة ومن الأهمية: أولها أن نهضتنا العربية كالنهضة الأوربية في القرنين الخامس عشر والسادس عشر, وككل نهضة تبدأ بالرجوع إلى الوراء واكتشاف الذات الجمعية من هذا الوراء للارتباط بآصل قِيَمِهِ, قيم التراث, وثانيها أن هذه العودة كانت أيامها موقفاً حضارياً على مستويين, مستوى المواجهة ورد الفعل إزاء العدو الغاصب والمستعمر الدخيل, ومستوى الاتصال بالهوية القومية للأمة وإعلان مبدأ الاستمرار الذي انقطع في عهود الانحطاط, وثالثها أن الشعر مثله مثل سائر الفنون, أكثر اتصالاً بوجدان الأمة وقيمها الروحية وإرادتها المرتبطة بالكينونة والمصير, منه بعقلها أو فكرها أو حاجاتها المادية.
      بيد أن علينا ألاّ نغالي في ذلك لأن قضية العودة إلى التراث والارتباط به اختلفت زماناً بين عهدين, عهد البارودي في مصر, أواخر القرن الماضي, وعهد المدرسة المحافظة في بلاد الشام, أواخر العشر الثاني من هذا القرن وبينهما خمس وثلاثون سنة, كما اختلفت مكاناً تحدد بالمجتمع العربي السوري ومناخه العام. أشرح الفكرة فأقول: جاء البارودي أواخر القرن الماضي (ليبعث) الشعر التراثي و(يحييه) ويرد إلى أبناء جيله من الشعراء يقين القدرة على مجاراته, فارتقى بما كان ينظم أو يقال إلى رتبة عليا قلَّما ضاهاه فيها غيره من لداته الذين حاولوا جميعاً احتذاء القديم والنسج على منواله ووجدوا في المرصفي ناقداً قنن لهم وعبَّد طريق المجاراة وفجاجها, وحين أتى من بعده شعراء التقليد المحافظون من مدرسة شوقي وحافظ تأثروا بما فعله البارودي عامة, وتنكبوا بعضه خاصة, ولكنهم ظلوا في الحالين ضمن دائرة التراث, ولما جاءت أعوام الحرب العظمى تلفت الشعراء الرواد الشآميون الذين تأسَّوا مدرسة هؤلاء ليجدوا وراءهم أو أمامهم محاولات شعرية ممتدة تحاكي النماذج القديمة وتضارعها, ووجدوا إلى جانبها دعوات نظرية - على الأغلب - ترهص بها فئة من الدارسين والنقاد والشعراء (مدرسة مطران والديوان والمهجر) تدعو عكس ذلك إلى هجر التقليد ورفضه والتشبث بحياة العصر ذاتها ومواكبتها والتعبير عنها, ويظهر أنهم تأثروا بهذه المدرسة كما تأثروا بتلك, وإن كان تأثرهم بمدرسة التراث أبعد شأواً, لأنه تأثرٌ أصاب صميم النص في حين ظل تأثرهم بمدرسة الديوان يدور في نطاق القوة لا الفعل, ويؤكد هذا التأثر العميق إعجابهم جميعاً بشوقي ومحاولاتهم تقليده أولاً, وإعجابهم ثانياً بنماذج مختارة من شعر التراث ومحاولاتهم الدائبة مضاهاتها وإعادة إنتاجها.
      هذا على مستوى الزمان والتطور, أما على مستوى المكان والبنية فإن مما لاشك فيه أن بعضاً من ملامح التباين في وجهات النظر الشعرية له مسوغاته يمكن أن نعثرعليه في سورية, ويتجلى في ثلاثة أمور: أوّلها, جانب المثاقفة ومبادلات التأثر والتأثير بين الأدبين العربي والغربي, وثانيها, مضمون الشعر, فقد استنفد النضال القومي والوطني في سورية أو استهلك أغلب هذا المضمون, وثالثها الاقتراب الخجول من تجارب تقنيات الشعر المتجددة بما تحمل من اندفاعات وممارسات جريئة, ولئن دل ذلك على أمر فإنما يدل على مبلغ التنوع الذي تتيحه ظروف الأقطار العربية للظاهرة الواحدة كي تتكامل وتتناسج خيوطها وتتعانق.
      الشعراء الرواد في سورية كثر لعل أهمهم: محمد البزم (1887 - 1955) وخير الدين الزركلي (1893 - 1976) وخليل مردم (1895 - 1959) وشفيق جبري (1898 - 1980) ومحمد سليمان الأحمد (بدوي الجبل) (1904 - 1981) وعمر يحيى (1902 -1979) ومحمد الفراتي (1890 -1978).
      وكما نرى فإن بعضهم يتقارب في العمر وبعضهم الآخر يتباعد, كذلك هم في ميدان الفن والتجربة الشعرية, مما دفع الدارسين إلى التخالف في تحديد مدارسهم, فتأرجح تصنيفهم بين تمثيل الرومانسية وتمثيل الكلاسية المتطورة, وهذا التخالف في النظرة أمر طبيعي لأن شاعر البداية أو النهاية, ومثله في ذلك الشاعر المتطور في رؤيته وأدواته, يمكن أن يحسب على هذه المدرسة أو تلك, وينسب إلى هذا التيار أو ذاك. والذي يحل الإشكالية مؤقتاً النزوع الفني العام للشاعر, وفترة استقطاب تجربته الشعرية, وهما الأساس المنهجي الذي أقمنا عليه دراستنا هذه. وأزعم أن هؤلاء الشعراء جميعاً - على اختلافهم وتباينهم - كانوا في المرحلة التي حددناها لهم زمانياً (1918 - 1934) وفنياً (الكلاسية الجديدة) يمثلون رواد حركة الشعر الحديث في سورية أفضل تمثيل وأبلغه.
      ما الذي يجمع بين هؤلاء الشعراء, وماذا يميز تجاربهم الفنية واحدةً واحدة, وما الدور الذي أدوه في حركة الشعر الحديث, في تأسيس هذه الحركة أو تطويرها? أسئلة ثلاثة علينا أن نجيب عنها.
      الذي يجمع بين هؤلاء الشعراء أمران: أحدهما يتعلق بالموضوعات, وثانيهما يتعلق بالصياغة, في نطاق الموضوعات نجد ثلاثة حقول تناولها شعرهم أو وقف عندها, هي المناسبات والنضال والتجارب الخاصة, نقصد بالمناسبات هنا غير ما نقصد في فترة البواكير, فإذا عنت هناك شعر التأريخ والتسلية والسمر والمنادمة فإنها تعني هنا الشعر المرتبط بحدث سياسي أو اجتماعي يتجاوز في أهميته وأثره حدود صاحبه ليقترن بمشاعر الأمة وأحاسيسها, فحين يموت قائد أو زعيم أو تمر ذكرى عظيم فالمناسبة تخرج عن إطار الخاص لتضحي في إطارها العام, وضمن هذا الفهم لشعر المناسبات فمن النادر جداً أن نجد شعراً ليست له (مناسبة) تكون الدافع لإنشائه, أو على الأقل تكون الحافز على إبرازه ونقله من الكمون إلى الظهور. ويبدو أن الفرق بين شعر مناسبة وأخرى ليس في المناسبة ذاتها - ما دمنا قد أقررنا بربط الشعر عامة بالمناسبات - وإنما بطريقة التعبير عن هذه المناسبات وبتحويل فحواها أو مغزاها من خصوصيتها التي تدور حول فرد أو حادثة إلى عموميتها التي تهم الأمة أو المجتمع. قد نقول إن المناسبة زائلة في حين يخلد الشعر, وهذا حق, وهو بالضبط ما نعنيه وما نفرق في ضوئه بين شعرين: شعر يزول بزوال المناسبة, وشعر يخلد بالمناسبة ويخلِّد المناسبة, ومن يتصفح دواوين الشعراء الرواد يكاد لا يعثر على قصيدة من دون مناسبة, بل لعلنا نقول ماهو أكثر, نكاد لا نجد مناسبة إلا وقد قيل فيها الشعر الكثير.
      في شعر النضال القومي والوطني, أو ما أطلق عليه قديماً شعر الحماسة, وحديثاً الشعر السياسي, بلغ الشعراء السوريون الذروة في الكم كما في الكيف, وحق لهم ذلك, فقد كانت البلاد تمر في فترة عصيبة لاقت فيها الأمرَّين.. مرة تحت نير الحكم التركي الذي لم يخلف لديها بعد انسحابه سوى الجراحات والأحزان والشهداء, ومرة تحت نير الانتداب الفرنسي الذي مد ظله الكئيب على سورية, وعانى منه الشعب كل أنواع الظلم والاضطهاد, ولم يهنأ العرب بين الاستعمارين بسوى فترة قصيرة من الزمان استردوا فيها بعض أنفاسهم أو كادوا, إلا أنهم مالبثوا أن عادوا إلى عسف البغي وقهر الطغيان, يكتوون بنار المحتل, ويذوقون صنوف عذاباته, ويشربون حتى الثمالة كؤوس الصاب والعلقم.
      ورافق الشعر السوري هذه الأحداث, وكان صدى لها وصورة صادقة أو مرآة عكست بكل أمانة واقع معاناة الفرد ومعاناة الأمة على الأرض وفي النفوس, كان سيد الأجناس الأدبية والناطق الوحيد الرسمي والشعبي عن الثورات والانتفاضات, والمآتم والمواكب, الأفراح والأتراح, الظلمات والأنوار, الكوابيس والأماني والأحلام, كان منشور الصدام والتحدي, يعبر عن الحق في الحياة مثلما يعبر عن الشهادة في سبيل هذا الحق, كان شعراً يربط الفرد بالأمة, ويربط الاثنين بالتاريخ والجغرافية, بآنات الزمان, الماضي والحاضر والمستقبل, يتوحد الجميع من أجل القضية والإنسان, من هنا قلت إنه شعر الوجود, الوجود الوطني والقومي للفرد وللأمة, في الزمان وفي المكان.
      مع حقل التجارب الخاصة - الجانب الثالث من جوانب الموضوعات - فإن الحكم على الظاهرة الشعرية يختلف رصداً ونتيجة, فمن المعروف أن الشعر أكثر التصاقاً وتعبيراً عن الإنسان ومشاعره وتجاربه وخصوصيته, كان ذلك منذ القديم وسيظل إلى أبد الآبدين, ولكنّ هذا التعبير عن الخاص يظهر أو يحتجب على الساحة الأدبية والاجتماعية في ضوء ظروف عدّة منها الحساسية العامة للفترة وتوجهاتها, انضواء الشاعر تحت لواء هذا التيار أو ذاك, وإيمانه بهذه القضية أو تلك. صحيح أن كل شاعر يتطور ويمر بمراحل مختلفة من الحياة ومن الفن, ولكنه يبقى مشدوداً ومحسوباً على الإطار العام لفترته ولرؤيته, - أو لنقل لحساسيته - ومن هذه الزاوية أعتقد أن شعر التجارب الخاصة في فترة الرواد كان يتوارى إلى منطقة الظل ثلاث مرات, مرة لأنه تعبير عن مرحلة محدودة من حياة الشاعر: هي مرحلة اليفاعة والصبا وغالباً ما يحاول نسيانها, ومرة لأنه تعبير عن لحظات زمانية تمثل استراحة المحارب وسط بيداء الحياة كثيراً ما يسعى إلى تجاهلها, أو يستحي من الإعلان عنها, ومرة لأنه تعبير عن نسق من الرؤية أو موقف يعيشه الشاعر في الفن وفي الحياة إلا أنه في كلا المجالين لا تتاح له الظروف حتى يفصح عنه ويبين, وبالتالي فإن شعر التجارب الخاصة وفي مقدمتها شعر الحب بأي معنى من معانيه لم يصبح هماً يكابده الشاعر ويعلن عنه إلا في مرحلة لاحقة حين أضحى الإحساس الداخلي دافعاً خارجياً, تدعمه وتؤكده, تزكّيه وتحميه فلسفة التيار الرومانسي.

الشعر العربي المعاصر في مصر*

الشعر العربي المعاصر في مصر

الدكتور عزّ الدين إسماعيل
      حين تطلق كلمة (الحديث) وصفاً للشعر العربي لا يقصد بها ـ بداهة ـ معنى الحداثة, وإنما تشير الكلمة أساساً إلى حقبة من الزمن لها حدودها الخاصة ومعالمها المميزة; ومن هنا كان استخدام الكلمة وصفاً للعصر قد صار مألوفاً, فيقال عندئذٍ (العصر الحديث), ويقصد به الإطار الزمني الذي تتميز فيه معالم الحياة عنها في الأزمنة السابقة. ذلك بأن العصر الحديث هو العصر الذي أعقب العصور الوسطى والعصور القديمة قبلها. وربما اختلف الأمر بعض الشيء بالنسبة إلى المسار التاريخي للحضارة الغربية, حيث أعقب العصور الوسطى عصر النهضة, ثم أعقبه العصور الحديثة هناك. وليس حتماً أن ينطبق هذا النموذج التاريخي الغربي على الحضارات الإنسانية الأخرى, ومنها الحضارة العربية الإسلامية التي ننتمي إليها. ومن ثم فإن حدود ما نسميه بالعصر الحديث في منطقتنا تختلف عنها من منظور الغرب لتاريخه الحديث. لقد جرى العرف على حسبان الحملة الفرنسية على مصر هي الحدث الذي يعلن بداية هذا العصر لدينا.
      ولكن لماذا يعد هذا الحدث بداية للعصر الحديث?
      لأول مرة كان على المماليك وجنودهم أن يواجهوا عدواً يتغلغل في الأرض حتى يصبح على مشارف القاهرة; ولأول مرة أدرك أولئك الفرسان, وأدرك المصريون معهم, أن فروسية العصور الوسطى لا تغني فتيلاً أمام طلقات المدافع التي أطلقها عليهم الجند الفرنسيون, ولاذ منهم من استطاع بالفرار, ووقعت القاهرة في أيدي الغزاة.
      ولم تكن الحملة الفرنسية على مصر مجرد مغامرة حربية يثبت بها الفرنسيون لجيرانهم قدرتهم على مناوأتهم في شمال القارة الأفريقية, بل كانت غزواً يستهدف الاستيطان. ومن هنا فقد جهزت الحملة نفسها بكل الوسائل التي تمكنها من التغلغل في نسيج الحياة المصرية, فجلبت معها العلماء المختصين في المجالات المعرفية المختلفة, وما يحتاجون إليه من أجهزة علمية, وذلك لكي يدرسوا البيئة المصرية دراسة مسحية شاملة, تُيسر للفرنسيين استيطان البلاد والتغلغل في الحياة وإحكام السيطرة عليها. ومع ذلك لم يتمكن الفرنسيون من التغلغل في الأهالي وكسب مودتهم ومن ثم إحكام السيطرة عليهم, بل جاءت النتيجة على الضد مما كان متوقعاً; فقد ألهبت الحملة الشعور الوطني لدى الأهالي, الذين رأوا فيها غزواً لأرضهم, وعدواناً على حياتهم.
      هذا الشعور الوطني, الذي كان بمثابة رد فعل لسلوك الغزاة الذين تمكنوا من بسط نفوذهم على سائر البلاد, ما لبث أن تطور وتبلور على المستوى الشعبي في شكل مقاومة حادة وعنيفة ومثيرة, تمثلت في ثورة القاهرة الأولى ثم ثورة القاهرة الثانية, وفي الثورات الجزئية التي قامت في الأقاليم المختلفة, وكان معنى هذا أن الشعور الوطني امتد من العاصمة إلى الأقاليم, وبسط جناحيه على كل البلاد. ومن ثم لم يجد الفرنسيون أمام هذه اليقظة الوطنية وهذه الثورة الشعبية الشاملة مناصاً من التسليم آخر الأمر بإخفاق الحملة وما يترتب على هذا من ضرورة مغادرتهم البلاد.
      حقاً إن الحملة الفرنسية لا يمكن أن يقال إنها خلقت المشاعر الوطنية لدى المصريين, ولكن المؤكد أنها عملت على بروزها وتبلورها بوصفها إطاراً معنوياً يوحد قوى الشعب ويشحذها. ومنذ تلك اللحظة بدأ تحول جوهري في موقف الإنسان المصري من وطنه وأرضه; فقد كان من قبل ينظر إلى المماليك الذين يحكمون البلاد على أنهم أغراب, فكان موقفه إزاءهم سلبياً, لا يفرح لانتصاراتهم ولا يحزن لهزائمهم, وكان يترك لهم مهمة الدفاع عن البلاد, ما داموا هم السادة. أما الآن وقد تركوا الميدان هاربين, فقد كان طبيعياً أن يطرح الشعب سلبيته جانباً, وأن يخرج بنفسه للدفاع عن وجوده وعن مصيره. وهكذا تولد لدى المواطنين إحساس بالمسؤولية نحو الوطن, أخذ ينمو ويتطور إبان مرحلة الكفاح ضد الغزاة. ومنذ ذلك الوقت أخذ هذا الإحساس يزداد رسوخاً في ضمائر المصريين يوماً بعد يوم حتى وقتنا الراهن. إنه الإحساس الذي برز في الثورة العرابية, وفي ثورة 1919 , وثورة 1952 , وذلك على مستوى النضال السياسي; ولكنه هو كذلك الإحساس الذي كان دائماً حادياً لكل حركة من حركات النهضة على المستوى الاجتماعي والعلمي والأدبي والفني والثقافي بعامة.
      هذا هو المعْلم الأساسي الذي يمنح حقبة ما يسمى بالعصر الحديث خصوصيتها: استشعار المواطن مسؤوليته إزاء النهوض بالبلاد. ذلك بأنه على الرغم من نجاح الثورة الشعبية في حمل الفرنسيين الغزاة على مغادرة البلاد, وعلى الرغم من قصر المدة التي أقامها الفرنسيون في مصر نسبياً, لم يفت المصريين أن يدركوا ما جلبته الحملة معها من وسائل متقدمة في مجال الحرب وفي زمن السلم على السواء, وأن يدركوا أن هذه الوسائل لم تكن إلا ثمرة التقدم في العلوم المختلفة, لا سيما تلك العلوم التي لم يكن للمصريين نصيب من الاشتغال بها.
      لقد جلبت الحملة معها جهازاً للطباعة (مطبعة) يفي بأغراضها في مخاطبة الجماهير المصرية على نطاق واسع, كما يلبي حاجة العلماء الذين صحبوا الحملة لدراسة البيئة المصرية والمجتمع المصري إلى تسجيل بياناتهم وتقاريرهم وأبحاثهم بصفة عامة. وهكذا عرف المصريون المطبعة لأول مرة, وأدركوا أهميتها بوصفها وسيلة من وسائل الإسراع بالنهضة الشاملة للبلاد. إنها الوسيلة الأفضل للتواصل المعرفي على أوسع نطاق, عن طريق نشر الكلمة في أشكالها وأغراضها المختلفة, سواء منها السياسية أو العلمية أو الأدبية أو الثقافية.
      وهكذا يصبح ظهور المطبعة في المجتمع المصري مؤشراً إلى مرحلة جديدة من الانفتاح على ألوان من المعارف التي مكنت الآخر من القوة والتميز. وكان محمد علي حين تولى حكم البلاد قد أدرك هذه الحقيقة, وأدرك أن الدفاع عن البلاد لا يكون إلا بجيش قوي, يمتلئ بمشاعر الانتماء إلى الوطن, ولكنه في الوقت نفسه يأخذ بأسباب العلوم وما تنتهي إليه من كشوف. ومن هنا رأى محمد علي أن لا بد من إنشاء المدارس الفنية المختلفة, التي تمكنه من تكوين جيش حديث بمعنى الكلمة. وهكذا بدأت فكرة إرسال البعثات العلمية إلى الخارج; إلى إيطاليا وفرنسا بصفة خاصة, لكسب تلك المعارف التي تعد أساساً لبناء الجيش القوي.
      وكما يحدث في بعض الأحيان أن يفضي تحقيق هدف معين إلى تحقيق هدف آخر لم يكن في الحسبان, أفضى السعي إلى تحقيق بناء جيش قوي إلى تحقيق أهداف معرفية أخرى, كان لها فيما بعد أبعد الأثر في تشكيل الوعي المصري تشكيلاً جديداً. ذلك بأن أولئك المبعوثين قد حصلوا ما حصلوا من علوم بلغاتها الأجنبية. ولكي تتاح هذه العلوم للمقيمين من الدارسين كان لا بد من ترجمتها إلى العربية. ومن هنا برزت فكرة مدرسة الألسن, التي قام رفاعة الطهطاوي على إنشائها, لكي يناط بها أداء تلك المهمة. ومع ذلك فقد أدت مدرسة الألسن دوراً أكبر مما كان مقصوداً إليه منها في البداية; إذ لم يقتصر الأمر فيها على العناية بالعلوم العسكرية, بل جاوزها إلى بعض العلوم الإنسانية. وقد أنجز أبناء هذه المدرسة كثيراً من الترجمات التي كانت من أساسيات النهضة العلمية الحديثة. ويكفي ما اكتسبته اللغة العربية من غنى باستيعابها لكثير من مصطلحات تلك العلوم.
      وإذن فإلى جانب الانتماء الوطني القوي, والإحساس بالمسؤولية, كان هناك ذلك الوعي بقيمة المعارف والعلوم الأخرى التي تختلف عما كان متاحاً من معارف وعلوم, والتي ثبت أنها سر تقدم الغرب وقوته. والمفروض أن يكون هذا المحور الثاني تابعاً للمحور الأول ومعززاً له, وأن يُفهم أن الثقة فيه لا تكون بالضرورة على حساب المحور الأول.
      ولقد ولَّدت الحملة الفرنسية على مصر موقفاً درامياً من الطراز الأول. كان على المصريين أن يطردوا الفرنسيين بوصفهم غزاة يسعون إلى استعمار المنطقة; وهذا ما تحقق. ولكن هؤلاء الغزاة بعد ذلك هم الذين صار من المؤكد أنهم قد حازوا من العلوم والمعارف ما حققوا به قوتهم وتقدمهم, وأن تحصيل هذه العلوم والمعارف شرط أساسي لإحداث نهضة موازية في الحياة المصرية; وهذا ما تمثل في مشروع النهضة التي تغياها محمد علي. وهكذا أصبح (الآخر) المرفوض على مستوى هو نفسه الآخر المطلوب على مستوى غيره. ومنذ البداية, وعلى مدى الزمن طوال القرن التاسع عشر والقرن العشرين, استمر الجدل حول قيمة المتاح من تراثنا ومدى استجابته لمطالب الحياة التي تريد أن تلحق بركب التطور والتقدم, وحول مدى الحاجة إلى الأخذ عن الآخر. وهذا الموقف المتأرجح بين طرفين من الرؤية كلاهما يبدو صحيحاً, هو ما أصبح على مستوى الممارسة مولداً للانحيازات الإيديولوجية المختلفة, المتطرفة منها والتوفيقية, على مدى تلك الحقبة من الزمن حتى يومنا الراهن.
      هذا الموقف الدرامي الذي برز صبيحة الحملة الفرنسية على مصر, والذي كان له انعكاساته المختلفة على الفكر المصري وعلى إنجازاته المختلفة, هو ما يعين كذلك خصوصية ذلك العصر الذي نسميه (العصر الحديث).
      وهكذا تجتمع في العصر الحديث خصائصه الفارقة الآتية:
      ـ بروز الشعور الوطني واستشعار المسؤولية إزاء تحقيق نهضة جديدة للمجتمع.
      ـ إدراك ما لدى الآخر من وسائل القوة والسعي لتحصيلها.
      ـ التأرجح بين الموروث القديم والوافد الجديد.
      وعلى هذا فإن أي نشاط إنساني منتج في حدود هذا العصر يمكن أن يسمى حديثاً, بغض النظر عن موقعه وعن تصنيفه; ومن ذلك النشاط الأدبي بعامة, والشعري على وجه الخصوص. فكل شعر أنتج في هذه الحقبة فهو شعر حديث, بدءًا من شعر رفاعة الطهطاوي في القرن الماضي حتى آخر قصيدة كتبها أحدث شاعر في تسعينيات هذا القرن, بغض النظر عن أي تصنيف نوعي لهذا الشعر. ولهذا ينبغي ألا تختلط صفة (الحديث) للشعر بصفة (الحداثي) التي دخلت في الاستعمال مؤخراً للدلالة على توجه فني خاص في الأداء الشعري لدى فئة من الشعراء; فسواء أكان الشعر حداثيًا أم لم يكن فإنه آخر الأمر شعر حديث.
      الشعر الحديث إذن هو ذلك الشعر الذي قيل في العصر الحديث, والذي تقلب بين أشكال شتى من الأداء تتراوح بين أشد حالات التقليد وأبعد صور التجديد. ومن هنا كانت صفة المعاصرة حين نقول (الشعر المعاصر) دالة على مرحلة بعينها في حياة الشعر الحديث, هي المرحلة التي نعاصرها, وهي مرحلة متحركة لا تقبل التثبيت; فما يكون معاصراً اليوم سيأتي عليه زمن يخرج فيه من دائرة المعاصرة, مكتفيًا عندئذٍ بصفة الحداثة. لقد كان الشاعر أحمد شوقي ـ مثلاً ـ معاصراً للعقاد والمازني وغيرهما, ولكن عندما أراد شوقي ضيف فيما بعد أن يدرس شعر سِمِيِّه هذا اختار له صفة (شاعر العصر الحديث)(1) وليس (الشاعر المعاصر).
      وكما اقتضى الأمر التمييز بين (الحديث) و(الحداثي) وصفاً للشعر, تمس الحاجة كذلك إلى التمييز بين (المعاصر) و(العصري). وقد عرفنا معنى (المعاصر); أما (العصري) فصفة أطلقها الشاعر خليل مطران(2) على شعره ليجمع تحت هذا الوصف جملة من الخصائص التي تميز هذا الشعر عن غيره وتحدد ميزته الخاصة. وهذه العصرية التي نادى بها مطران واتسم بها شعره كانت تعني في مضمونها ما تعنيه صفة الحداثة حين تطلق على أحد تيارات الشعر المعاصر.

عبدالناصر صالح


عبدالناصر صالح
  • عبدالناصر محمد علي صالح تايه (فلسطين).
  • ولد عام 1957 في طولكرم.
  • حاصل على بكالوريوس في التربية وعلم النفس من جامعة النجاح الوطنية بنابلس 1984.
  • يعمل موظفاً في مركز أبحاث جامعة النجاح الوطنية منذ 1985.
  • سكرتير اتحاد الكتاب الفلسطينيين في الأرض المحتلة, وعضو المجلس الفلسطيني للثقافة والإعلام, وجمعية التكافل الاجتماعي في القدس.
  • دواوينه الشعرية: الفارس الذي قتل قبل المبارزة 1980 - داخل اللحظة الحاسمة 1981 - خارطة الفرح 1986 - المجد ينحني أمامكم 1988 - مطولة شعرية بعنوان: نشيد البحر 1990 - فاكهة الندم 1999.
  • حصل على الجائزة الأولى في الشعر من جامعة النجاح الوطنية 1980, والجائزة الأولى للشعر الفلسطيني (مناصفة) 1990.
  • ممن تناولوا أشعاره بالنقد والتحليل: صبحي شحروري, وإبراهيم العلم, ومحمد أسعد, ويوسف الحمدوني.
  • عنوانه: طولكرم - مديرية الثقافة - شمال فلسطين, ص.ب 189 - الضفة الغربية.


***********

الينابيع, أوصالها في دمي
تجيئين من رئة الأرض
من بؤرة الفرح المتآكل
حافلة بالأغاريد
كوكبة ساهره.
وموجة عشق على القلب تحنو
وأغنية عاطره.
تجيئين مثل الهواء النقي
على تلة زاهره
تجيئين
الحزن يرمي إلى ردهة الصمت أسماكَه
والملاءات تنشر فوق غرائزها الشبحية
أهوالها
فادخلي بؤرة الكشف
هل مزقتك تضاريسُ روحي
ورمضاء هذا الجنون الإباحي
مر على جسدي شبحُ الموت
أوقفني الجند عند احتضار أغانيَّ,
هذا الحنين الخبيء يرد العناءات
يسبُر غور الفضاءات
ينبئني باكتشاف الفصول لمفتاح أعيادها
ويهدهد نبضَ شرايينك المستثارة
يشعل في ثورة القلب جمرته
يتلمس درب رياحينه
ثم يوقظ سر عصافيره الطيبات
ويلثم نزف دمي..
قطرة قطرة
ويعلل بالقبلات الظلالَ التي تصطفيني
كأني للنبض أسلمت عمري
وأنفاسي المثخنات
لعلك تأتين
تستبقين الخطى
آية الوهج أن نلتقي
آية الوهج أن يتصالح قلبان
يلمع وجهان في الوحشة الكابية
******
صباحٌ جميل يخط الرحال إليّ
ندى طازج يتوزع فيَّ
نخيل يعرِّج بي نحو رمل
ورمل يعرج بي نحو بحر
وبحر يعرِّج بي نحو أعشابه الغارقات
انكسرتُ على موجه
واحتواني
الممالكُ حولي
وحولي المدى يتمثل أشياءه
والمدائن تبرح أثقالها
وتزوِّج ياقوتَها للسنابل
حولي الصدى لاهثٌ كالغزال
- أما زلت تأتين
يخدشني مِخلب الحزن
أفواج غربانه تسترد مخالبها
والغيوم تنكِّس أعلامها
والظلام الذي يتوعد
يغلق دونيَ باب النجاة
ويُلجِم صوتي
(هل اكتملت سورة النار
هل بدد الوهم حلم المدارات
أم جاء وقْع السنين العجاف)
********
تجيئين مزهوَّة بالبيارق
تمتشق الريح سيف مواسمها
والينابيع أوصالها في دمي
تترعرع
تصحو على كبوة أرَّقتها
ويندمل الجرح
تبدو طلائع وجهك في ألق الغيم
فوق وريقات صدري
أشمُّ روائحَ عينيك في المُخْمل الأنثوي
فتزدان عصفورة غزل البرق أوتارها
لتشارك هذا الفضاء المغيّب زرقته
والتراب المقيم أصالته
وتشاركني روعة البدء
في مهرجان الجسد
*****
الجســـــد - النهـــر
قلت للجسد النهر:
كيف الطحالبُ تبني على ضفتيك خرائبَها
والضفادع تنحاز للماء,
تستوطن الزرقة المستطيلة
تحمي سلالاتها من غبار الشتاتْ,
غموض الزوارق
لفح الحرائق,
عنوانها الماء
خاصرة الطين سندسُها,
ما الذي أخذته الطحالب
أو تركته الضفادع من حِبْرها الدموي على ضفتيك
ما الذي ربحته من الانتظار ببابك
والاحتماء بزخرفك
المتغطرس,
غيرَ البياض بديلاً عن الخوف
والجوع والظلمات?
ما الذي تبتغيه الحجارة والكائنات?
والقواميس والمفردات?
ما الذي تبتغيه?
غير أن تتلمس جوهرك المتوقد
تعرف كنه لآلئك العائمه
- ما الذي يجبر الطير أن تتسارع حتى تفيءَ إليك
لتروي جفاف حشاشتها
غير حكمتك الأزلية - تطفو
على سطح كينونة الدهر
تستكشف الدهر
تعبر هذاالسديم الهلامي بالبهجة الكاسحه
*******
قلت للجسد النهر:
كيف تقاوم خوفَك من صخب النبع
كيف تُبَرْعَمُ عيناك
-في واحة الانبثاق الجميل-
كواكب دفلى
ينمنمها شدوك العبقري
ويوقد فرحتها.
للسنابل أن تتلاقَحَ سيقانُها
للتضاريس ألوانها
للخرائط رائحة الزهر أو حرقة العندليب

عبدالناصر الحمد


عبدالناصر الحمد
  • عبدالناصر حسين الحمد (سورية).
  • ولد عام 1958 في دير الزور.
  • أتم دراسته قبل الجامعية في دير الزور, ثم انتسب إلى كلية الآداب وتخرج في قسم الدراسات الاجتماعية والفلسفية 1982, ثم حصل على دبلوم التربية من كلية التربية 1988.
  • عمل مايقرب من سنتين في صحيفة الثورة, كما عمل في إعداد الرسوم المتحركة, ثم في مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي في دولة الكويت.
  • عضو اتحاد الصحفيين, , وعضو شرف في منتدى الحسين الثقافي الأردني.
  • نشر إنتاجه في الصحف المحلية والعربية.
  • دواوينه الشعرية: تراتيل لغيلان الدمشقي 1990 - ياغريبة (شعر شعبي) 1992 - دفتر الغزل (شعر شعبي) 1994 - ملائكة من ورق1994 - دفتر الموليا (شعر شعبي) 1996.
  • مؤلفاته: معجم صفات النساء.
  • ممن درسوا شعره: شوقي بغدادي, وأسعد الديري في جريدة البعث 1991, ووهبي الشعراني في جريدة الثورة 1992, وجمال علوش وغيرهم.
  • عنوانه: الكويت - السالمية - ص.ب7502 - مكتبة البابطين المركزية.
 


من قصيدة: أنـــــا رجـــــل فـــراتــي
(1)
أنا رجل فُراتي
بسيط مثل لون الحلم في عين المحبينا
أحب النخل والرمان والأعناب والتينا
ولي بستان أحلام يضاهي قصرَ هارونا
أنا كالطفل في فرحي...
أحب الشمس نافذة لآمالي
وأهوى الظل مرمياً على أعتاب وادينا
خرافيٌّ بآمالي... كعمر النهر,
مذ ضحكت بوجه الكون أزهار المُهَنّينا
أنا كفراشة سكرى فلاتهوى سوى السفر
أحب الزهر أعشقه, أحسُّ بأنه قَدَري
أحب النهر أحمله على الأنغام والوتر
أنا رجل فراتي
بعيداً عن دروب الدير ما أحسست بالعمر
(2)
مساماتي فدادين لبذر الآه والشكوى
وأحداقي كينبوعين من حزن ومن بلوى
ويغفو بين أهدابي احتراق مزمن ورُؤى
مقيماتٌ على النجوى
وأبقى رغم كل الحزن... رغم تعذبي أهوى...
أنا رجل فراتي
بلا أمل أحسُّ الجدب يسكنني
فكل دقائقي قحْط فلا منّ ولا سلوى...
(3)
محب للهوى... للناس... للأنغام للشجر...
كدوريّ, أحبُّ أزقة الحارات,
أهوى دفقة المطر
مواويلي كشمع توقظ الأحلام
في الظلماء والسحر
وفي عينيَّ متكأ للقيا الشمس بالقمر...
(4)
أنا رجل فراتي
وأهوى تأكل الأطيار من كفيَّ في فرح
وتبني كلها الأعشاش في قلبي
تحوِّله لدالية
وإن عطشت... تشف الماء من قدحي...
(5)
أنا أهواك ليس لأنك الأنثى التي أهدى
لها الرحمن حسنَ الوجه والمعشر...
ولا لتزاحم البسمات فوق الوجه
شلالاً من السكر
ولا لتفتّق الشفتين عن درٍّ وعن جوهر
ولا لتكشّف الهدبين عن نبعين من دفء
وعصفورين سمراوين في صحن من المرمر.
أنا يا غادتي السمراء أهوى فيك دالية
تعرش في مساماتي
وأهواك اختلاجات بقلبي كل أوقاتي
وأهوى فيك دفء الروح
غيماً فوق واحاتي...
(6)
أنا يا حلوةَ العينين أهوى وجهَك الأسمر
وأهوى فيك مملكةً
على أسوارها بُذِرت مواويلي
فكانت لِلِّقا معبر
فإن حاولت أن لا ألتقي بهما ولا ألقاهما
أخسر
فما لملمت من فرح
وما لملمت من أمل
على هدبيهما يُنْثَرْ
وأنت إن ذكرت الكل والأشياء في طرب
تكوني كل ما يذكر
(7)
أنا رجل فراتي
وأرضي روضةٌ والنهر رضوان يهاديها
بذور الخصب في جنبيَّ قد ولدت
ودفئي دفء أيديها
تغازلني ثياب الفجر
تغفو بين عينيَّ.

قراءات لامـــرأة في دمـــي
(1)
لوجه تشاغَلَتِ الروحُ عني به
وخلفني الشوق بين المحال
وبين الردى.
لأغنية حِرْن منها اللغات
وفاضت على الذاكرات, ندى.
لمن يبدأ الحُلم من شفتيها
وفي مقلتيها
يضيع المدى
(2)
تظلّل ضحكتها الموج والياسمين
وتحيي بلمستها الأمنيات
وحين تطل تصير القصائد غابة ورد
وحين تغني يفيض الفرات
وتعجز كل القصائد
أن تحتويها وتعجز عنها
جميع اللغات
(3)
بها تُسْرَج الروح عند الذهول
وبين يديها تفيض السهول
وحين يلامسها الغيم
تسهو الحياةُ
فتخلط بين يديها الفصول
(4)
لوجه وضيء
تغازله الطيروالأمنيات
وفي هُدبيه الفراش يفيء
لوجه تذوب العيون به
ومن حسنه
إذا هلَّ في الطرقات تضيء
(5)
لتلك الحصار
لمن يُبْحرُ الحلم في مقلتيها
وفي مقلتيها
تضيع البحار
أجيء بكل جنون القوافي أقبل عينين
مثقلتين بسحر
الأماني
ولون النهار
 

علاج سري يمنع السرطان وأمراض القلب.. تعرّف عليه !

العديد من الدراسات أظهرت أن تناول الكرنب أو الملفوف يقلل من خطر الإصابة بالسكري والسمنة وأمراض القلب.
يمتاز "الملفوف" بفوائد صحية مدهشة لا تعد ولا تحصى، ولكن المفاجئ في الأمر أنه يعد أيضًا سلاحًا سريًا يحارب السرطان وأمراض القلب.
والملفوف هو جزء من عائلة الخضروات الصليبية التي تعتبر هامة جدًا للتغذية إذ تعمل على تحسين صحتك ويجب أن تتقدم قائمة نظامك الغذائي.
وذكرت صحيفة “بولد سكاي”، أنه وفقًا للدراسات البحثية توجد مادة كيميائية في الملفوف/ "الكرنب" مضادة للآثار السلبية للإشعاعات الضارة ويحتوي على “السولفورفان” التي تعمل على الحماية من السرطان، ويحتوي الكرنب المطبوخ على نسبة مرتفعة من فيتامين “ك”.
وأظهرت العديد من الدراسات أيضًا، أن تناول الكرنب/الملفوف يقلل من خطر الإصابة بالسكري والسمنة وأمراض القلب، ومن المعروف أيضًا أنه يمنحك بشرة صحية ويعزز الطاقة ويساعد على فقدان الوزن
والأبرز أن تناول هذا الخضار يساعد على تقليل خطر الإصابة بالسرطان ويكافح أمراض القلب وتشمل فوائده:
سرطان القولون والمعدة يحتوي الملفوف على الألياف التي تساعد على علاج مشكلات الهضم وتناول الكرنب بشكل منتظم يمنع تطور العديد من الأمراض مثل سرطان القولون والمعدة.يعزز مستويات الطاقة يحتوي على نسبة كبيرة من الحديد ما يزيد من مستوى الطاقة ويعزز الدورة الدموية والتمثيل الغذائي.يقوي الجهاز المناعي الكرنب غني بفيتامين “C” لذا يقوي جهاز المناعة.
يقوي العظام الكرنب غني بفيتامين “ك” ويساعد على إنتاج البروتين الذي ينظم تمعدن العظام ويمنع الهشاشة أيضًا وبالتالي يعتبر الأفضل للحفاظ على صحتها.يقلل الالتهابات يحتوي الكرنب على مضادات الأكسدة التي تعرف باسم العوامل المضادة للالتهابات ويساعد على تخفيف الألم في الأجزاء الملتهبة من الجسم.
يقتل خلايا السرطان يحتوي الكرنب على مضادات الأكسدة القوية القادرة على تدمير الجذور الحرة وهي المسؤولة عن تطوير الخلايا السرطانية، وهذا هو أحد أهم الفوائد الصحية للكرنب.
يحسّن صحة القلباحتواء الكرنب على نسبة كبيرة من الألياف يفيد صحة القلب بشكل كبير، وتمنع الألياف تأثير الكوليسترول السلبي في الشرايين ويعتبر ذلك هامًا جدًا في الوقاية من أمراض القلب وبالتالي الملفوف هو أفضل سلاح لمكافحة أمراض  القلب.يحسّن الرؤية وصحة الجلد
الملفوف هو مصدر غني جدًا بفيتامين (أ) لذا يحسن الرؤية وصحة الجلد ويساعد الفيتامين على الحد من البقع كما يقلل من احمرار وتجاعيد الجلد.