فيكتور هوجو
فيكتور ماري هوجو شاعر فرنسي، وكاتب مسرحي، وروائي، وكاتب مقالات، فنان تشكيلي، رجل دولة، وناشط في الدفاع عن حقوق الإنسان، ونصير الحركة الرومانسية في فرنسا.
كان الابن الثالث والأصغر لجوزيف ليوبولد سايجيزبرت هوغو، وُلِد في بيزانسون، و عاش في فرنسا معظم سنوات عمره، ولكنه تعرض للنفي خارج البلاد في عهد نابليون الثالث إمبراطور فرنسا، فعاش لفترة قصيرة في بروكسل عام 1851، وبعد فترة تنقلاته من مدينة الى اخرى صدر قرار بالعفو العام عنه في عام 1859. وبعد ذلك، تمت معاقبته بالنفي الاختياري، وُلِد في 1802، وتُوفي عام 1885 ليتم دفنه في البانثيون (مدفن عظماء الأمة (Panthéon).
ترجع شهرة هوجو الأدبية في فرنسا إلى إنتاجه الشعري والمسرحي في المقام الأول، وإلى إنتاجه الروائي في المقام الثاني. ومن بين العديد من دواوينه الشعرية، يحتل مجلدا تأملات وأسطورة القرون (La Légende des siècles) مركز الصدارة من حيث التقدير الأدبي وإشادة النقاد به. وأحيانًا، يُوصف هوجو بأنه أعظم الشعراء الفرنسيين. أما خارج فرنسا، فتعتبر أشهر أعماله الروائية هي: البؤساء و أحدب نوتردام.
ورغم انتمائه إلى الحزب المحافظ في شبابه، فقد تحول إلى حزب اليسار بمرور الوقت، وأصبح واحدًا من المتحمسين لتأييد الحكم الجمهوري، كما تناولت أعماله معظم الموضوعات السياسية والاجتماعية، وكذلك الاتجاهات الفنية الموجودة في عصره.
شهدت طفولة هوغو المبكرة العديد من الأحداث المهمة. منها قيام وسقوط الجمهورية الفرنسية الأولى، وكذلك قيام الإمبراطورية الفرنسية الأولى، وفرض نابليون بونابرت إمبراطور فرنسا للحكم الديكتاتوري. وقد تم تنصيب نابليون إمبراطورًا لفرنسا بعد عامين من ولادة هوغو، ثم استعادت أسرة البوربون الملكية العرش قبل أن يبلغ هوجو عامه الثامن عشر.
عكست وجهات النظر السياسية والدينية المتعارضة لوالدي هوغو صورة للقوى التي كانت تتنازع للفوز بالسيادة على فرنسا طوال رحلة حياة هوغو. فوالد هوغو كان من كبار الضباط في جيش نابليون، وكان ملحدًا ومناصرًا للحكم الجمهوري وكان يعتبر نابليون بطلاً قوميًا. أما والدته، فقد كانت كاثوليكية حتى النخاع، ومؤيدة للحكم الملكي بمنتهى الحماس. ويُقال إنها كانت تربطها علاقة حب بالجنرال فيكتور لاهوري، وهو الرجل الذي تم إعدامه في عام 1812 بتهمة التآمر ضد نابليون. وبسبب عمل جوزيف والد هوغو كضابط، فقد كانت أسرته تتنقل كثيرًا ـ الأمر الذي جعل هوغو يتعلم الكثير من هذه الرحلات. وأثناء رحلة أسرته إلى نابولي، شاهد هوغو الامتداد الشاسع لجبال الألب بقممها التي تكسوها الثلوج، كما شاهد البحر الأبيض المتوسط رائع الزرقة، وروما أثناء احتفالاتها. ورغم أن عمره في ذلك الوقت لم يتجاوز السادسة، فقد انطبعت في ذاكرته هذه الرحلة التي استغرقت نصف عام بكل تفاصيلها. واستقرت الأسرة في نابلز لبضع أشهر قبل أن تتوجه مرةً أخرى إلى باريس.
بعد انفصال صوفي عن زوجها عام 1803 استقرت في باريس. ومنذ ذلك الحين، تولت الإشراف على تعليم وتربية هوغو. ونتيجة لذلك، عكست أعماله الأولى في مجالي الشعر والأدب القصصي ولاءً شديد الحماس لكل من الملك والدين. ولم يتمرد هوغو على تربيته الكاثوليكية التي تدين بالولاء للحكم الملكي إلا بعد فترة، وذلك في أثناء الأحداث التي أدت إلى اندلاع ثورة 1848 في فرنسا. وبدلاً من ذلك، بدأ في مناصرة الحكم الجمهوري والحرية الفكرية.
وشأن العديد من الكتاب الشباب من أبناء جيله، تأثر هوجو تأثرًا شديدًا بالأديب فرانسوا-رينيه دو شاتوبريان، إحدى الشخصيات الأدبية الشهيرة في تاريخ الحركة الرومانسية، وفي شبابه، عقد هوجو العزم على أن يحذو حذو “شاتوبريان دون سواه من الأدباء”. وتشابهت حياته في العديد من النواحي مع أسلافه. ومثل شاتوبريان، أيد هوجو الحركة الرومانسية، ودخل عالم السياسة ليصبح من مناصري الحكم الجمهوري، وتم الحكم عليه بالنفي بسبب مواقفه السياسية. وأكسبته أعماله الأدبية الأولى ـ التي تميزت بالنضج العاطفي المبكر والبلاغة ـ النجاح والشهرة في سن مبكرة. وقد تم نشر ديوانه الشعري الأول أغاني وقصائد متنوعة في عام 1822 عندما كان في العشرين من عمره. وقد أنعم عليه الملك لويس الثامن عشر بمنحة ملكية كمكافأة له على هذا الديوان الرائع. وبالرغم من الاستحسان الذي لاقاه هذا الديوان نظرًا للتوهج الفطري والطلاقة الذين تميز بهما هوجو، فإن ديوانه التالي الذي صدر بعد ذلك بأربع سنوات في عام 1826 بعنوان Odes et Ballades Odes et Ballades كان شهادة الميلاد الحقيقية له كشاعر عظيم يتمتع بموهبة طبيعية في نظم القصيدة الغنائية والأغنية المبتكرة.
وقع الشاب فيكتور في الحب، وارتبط سرًا – ورغمًا عن إرادة والدته – بعلاقة خطبة مع صديقة طفولته أديل فوشيه التي ولدت في عام 1803، ورحلت عن الحياة في عام 1868. وبسبب الصلة الوطيدة التي كانت بينه وبين والدته، لم يشعر بالحرية الكافية ليتزوج من أديل في عام 1822.
نشر هوجو روايته الأولى في العام التالي لزواجه؛ في عام 1823، ثم نشر روايته الثانية بعد ذلك بثلاث سنوات 1826.
ونشر في الفترة ما بين عامي 1829 و1840خمسة دواوين شعرية أخرى، وهي:
“شرقيات” 1829، و”أوراق الخريف” 1831، و”أغاني الشفق” 1835، و”المناجاة القلبية” 1837، وLes Rayons et les ombres في عام 1840. وهي الأعمال التي أكدت على شهرته كواحد من أعظم الشعراء الذين نظموا الشعر الرثائي والغنائي في عصره.
ظهر أول عمل ناضج له في مجال الأدب القصصي عام 1829، وعكس الالتزام الشديد الذي كان يمليه عليه ضميره بتناول الموضوعات التي تهم المجتمع، وهو الأمر الذي أصبح سمة مميزة لأعماله اللاحقة. وقد تركت رواية مذكرات رجل محكوم عليه بالإعدام (The Last Day of a Condemned Man) أثرها العميق في أعمال أدباء لاحقين مثل: ألبرت كامو وتشارلز ديكنز، وفيودور ديستوفسكي وكانت قصته “القصيرة كلود جو” قصةً وثائقيةً مستوحاة من أحداث واقعية عن قاتل تم إعدامه في فرنسا. وظهرت هذه القصة في عام 1834، واعتبرها هوجو نفسه في وقت لاحق بداية بشرت بأعماله العظيمة عن الظلم الاجتماعي مثل: البؤساء بالرغم من ذلك، فإن نوتردام باريس (أو أحدب نوتردام تعتبر أولى رواياته الطويلة. وقد تم نشرها في عام 1831، وسرعان ما تُرجمت إلى لغات أخرى في كل أنحاء أوروبا. ومن أهم النتائج التي ترتبت على كتابته لهذه الرواية حمل أهالي مدينة باريس على القيام بعملية ترميم كاتدرائية نوتردام التي طال إهمالهم لها والتي كانت تجذب إليها آلاف السياح الذين قرؤوا الرواية الشهيرة. كذلك، شجعت الرواية على إحياء الوعي بالمباني التي أُقيمت قبل عصر النهضة، والتي تم البدء في صيانتها والحفاظ عليها بعد صدور هذه الرواية.
تم انتخاب هوجو للانضمام إلى الأكاديمية الفرنسية في عام 1841 ـ مما أدى إلى تعزيز مكانته في عالم الفن والأدب في فرنسا. وبعد ذلك، تزايد انخراطه في عالم السياسة الفرنسية كمؤيد للحكم الجمهوري، ورفعه الملك لويس فيليب إلى طبقة النبلاء في عام 1841 لينضم إلى المجلس الأعلى للنبلاء، ويحصل على لقب نبيل فرنسي، وهو المنصب الذي أتاح له معارضة تطبيق عقوبة الإعدام، ومحاربة الظلم الاجتماعي المتفشي. كما أيد من خلاله أيضًا حرية الصحافة، وحق بولندا في الحصول على الحكم الذاتي.وتم انتخابه في وقت لاحق لينضم إلى المجلس التشريعي والمجلس الدستوري، وذلك في أعقاب اندلاع ثورة عام 1848 – 1848 وقيام الجمهورية الثانية .
في الفترة ما بين عامي 1853و1855، وعندما استولى لويس نابليون؛ المعروف باسم نابليون الثالث على مقاليد السلطة بشكل كامل في عام 1851، وقام بوضع دستور يتعارض مع الحياةالنيابية، أعلن هوجو على الملأ أنه يعتبره خائنًا لفرنسا.لهذا تم ترحيله إلى بروكسل، ثم إلى جيرزي (Jersey) ليستقر أخيرًا مع عائلته في جزيرة جرنزي التي تطل على جزر القنال الانجليزي حيث عاش في المنفى حتى عام 1870.
وأثناء وجوده في المنفى، نشر هوجو منشوراته السياسية الشهيرة المعارضة لحكم نابليون الثالث، وعلى الرغم من حظر تداول هذه المنشورات في فرنسا، فقد كان لها أكبر الأثر هناك. كذلك، قام هوجو بتأليف بعض من أفضل أعماله أثناء الفترة التي عاشها في جرنزي وتضمنت هذه الأعمال: البؤساء، وكذلك ثلاث مجموعات من القصائد لاقت استحسانًا كبيرًا وهي: “العقاب” كتبها في عام 1853، و”تأملات”1856، و”أسطورة القرون” في عام 1859.
و نجح هوجو في إقناع حكومة الملكة فيكتوريا بالعدول عن تنفيذ حكم الإعدام في ستة من الأيرلنديين الذين تمت إدانتهم بتهمة ارتكاب أعمال إرهابية. كذلك، حظي تدخله لإلغاء عقوبة الإعدام من الدستور المعمول به في: جنيف، والبرتغال، وكولومبيا بالموافقة الرسمية.
وبالرغم من أن نابليون الثالث قد منح في عام 1859عفوًا عامًا لكل من تمت معاقبتهم بالنفي لأسباب سياسية، فإن هوجو رفض هذا العفو لأن قبوله له يعني التزامه بتقليص حجم انتقاداته لحكمه. ولم يعد هوجو إلى موطنه في عام 1870 إلا بعد الإطاحة بحكم نابليون الثالث وإعلان قيام الجمهورية الثالثة ليتم على الفور انتخابه عضوًا في البرلمان الفرنسي وفي مجلس الشيوخ.
كان هوجو في باريس أثناء حصار الجيش البروسي لها في عام 1870، وهو الوقت الذي اضطر فيه إلى أن يقتات على الحيوانات التي منحتها له حديقة حيوان باريس. وعندما استمر الحصار واستمرت معه الندرة الشديدة للمواد الغذائية، كتب في مذكراته أن الظروف قد أرغمته على “أن يقتات على أشياء يجهل ماهيتها”.
وبسبب اهتمامه بحماية حقوق الفنانين وحقوق التأليف والنشر، أصبح واحدًا من الأعضاء الذين أسسوا الجمعية الدولية للفنون والآداب؛ وهي الجمعية التي كان لها الفضل في خروج اتفاقية برن لحماية المصنفات الأدبية والفنيةإلى النور.
تغيرت آراء هوجو الدينية تغيرًا جذريًا على مدار حياته. ففي شبابه، أعلن أن انتمائه الديني كاثوليكي، كما أعلن احترامه لسلطة الكنيسة والتسلسل الكهنوتي فيها. ولكنه منذ ذلك الوقت، لم يمارس الشعائر الدينية الكاثوليكية، وعبر بشكل متزايد عن آرائه المناهضة للكاثوليكية والمؤيدة لفكرة الحد من النفوذ الكنسي، وأثناء فترة نفيه، انشغل بفكرة الروحانية بشكل غير جاد، حيث شارك في جلسة تحضير أرواح، وفي سنوات لاحقة، نرى أن هوجو قد صار مؤيدًا لمذهب الربوبية (Deism) القائم على العقلانية (Rationalist) وهي الأفكار التي تشابهت مع الآراء التي كان فولتيريناصرها. وقد سأل أحد العاملين في مجال الإحصاء الرسمي هوجو في عام 1872 عما إذا كان كاثوليكيًا، فأجابه: “لا، بل أنا مفكر حر.
لم يتخلَ هوجو أبدًا عن البغض الذي كان يشعر به تجاه الكنيسة الكاثوليكية الرومانية والذي يرجع إلى حد كبير إلى ما اعتبره تجاهلاً من الكنيسة للمأزق الذي تعيشه الطبقة العاملة في ظل القمع الذي يمارسه النظام الملكي، والذي قد يرجع أيضًا إلى تكرار ظهور أعماله ضمن قائمة “الكتب المحظورة ” التي يشير إليها البابا (فقد حصر هوجو عدد المقالات التي هاجمت روايته البؤساء في الصحافة الكاثوليكية فوجد أنها قد بلغت 740 هجومًا). وعند وفاة نجليه تشارلز وفرانسوا-فيكتور، أصر هوجو على أن يتم دفنهما دون ممارسة الشعائر والطقوس الدينية التي تتطلب وجود الصليب والقسيس. وقد ضمّن هذا الشرط في وصيته ليتم تنفيذه بعد موته وفي جنازته. وبالرغم من أن هوجو كان يؤمن بأن العقيدة (dogma) الكاثوليكية قد عفا عليها الزمن وباتت تحتضر، فإنه لم يهاجم أبدًا المؤسسة الدينية في حد ذاتها. كما ظل هوجو على تدينه الشديد الذي جعله يؤمن إيمانًا عميقًا بالأثر القوي لأداء الصلاة، وأهميتها العظيمة في حياة الإنسان.
[وبالرغم من أن الموهبة الموسيقية الفريدة لم تكن ضمن مواهب هوجو المتعددة، فإنه قد أحدث تأثيرًا عظيمًا في عالم الموسيقى من خلال عدد لا حصر له من الأعمال التي كانت مصدرًا لإلهام لا نهائي للملحنين خلال القرنين التاسع عشر والعشرين. أما هوجو نفسه، فقد كان يستمتع بصفة خاصة بموسيقى جلووك (Gluck) وفايبر (Weber). وكان معجبًا بدرجة كبيرة بموسيقى بيتهوفن (Beethoven). وعلى غير المألوف من أبناء جيله، كان يقدر أعمال الملحنين الذين عاشوا في قرون سابقة للقرن الذي عاش فيه، وقد تم استلهام أكثر من ألف عمل موسيقي من مؤلفات هوجو، وذلك منذ مطلع القرن التاسع عشر وحتى عصرنا الحالي. وتحديدًا، فإن مسرحيات هوجو التي رفض فيها استخدام قواعد المسرح الكلاسيكي وفضل عنها الداراما الرومانسية قد جذبت اهتمام العديد من الملحنين الذين اقتبسوها في أعمال الأوبرا الخاصة بهم. ويعتمد أكثر من مائة عمل من أعمال الأوبرا على أعمال هوجو الدرامية،
وفي شباط 1881، احتفل هوجو بعيد ميلاده التاسع والسبعين. واحتفالاً بقرب إتمامه لعامه الثمانين، أقيم له واحد من أعظم الاحتفالات لتكريم كاتب لا يزال على قيد الحياة؛ تقديرًا لشخصه. وبدأت الاحتفالات في الخامس والعشرين من شهر فبراير حيث تم إهدائه إناءً للزهور مصنوع من السفريه (البورسلين).
سببت وفاة فيكتور هوجو في 22 من أيار من عام 1885- عن عمر – حالة من الحزن العام في فرنسا. ولا يرجع التبجيل الذي حظى به هوجو فقط إلى كونه شخصية رفيعة المستوى في تاريخ الأدب الفرنسي، ولكنه يرجع أيضًا إلى منزلته كرجل دولة ساعد في إنشاء الجمهورية الثالثة والحفاظ عليها، وكذلك في إرساء دعائم الديمقراطية في فرنسا. واشترك أكثر من مليوني شخص في الموكب الجنائزي الخاص به والذي أقيم في باريس، وبدأ من قوس النصر حتى البانثيون (مدفن عظماء الأمة) حيث تم دفنه. ويتشارك هوجو السرداب نفسه في البانثيون (مدفن عظماء الأمة).
ردود على "فيكتور هوجو"
أترك تعليقا