ماهي الأمانة التي عرضها الله سبحانه وتعالي علي السماوات والأرض
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة قال تعالى في محكم آياته ( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) سورة الأحزاب؟
الأمانة هي حق الله على عباده وما شرعه لهم من توحيده والإخلاص له، وسائر ما أوجب عليهم من صلاة وغيرها، وترك ما حرم الله عليهم، وهكذا حقوق العباد من حق الوالدين، وحق الرحم وغير ذلك، فالأمانة ما أمر الله به، وما أوجبه على عباده، يجب أن يؤدوا هذه الأمانة على الوجه المشروع، كما قال تعالى: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا(58) سورة النساء. ويقول سبحانه: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ(8) سورة المؤمنون. ويقول سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ(27)
ما أظلم الإنسان، وما أجهله، تُعْرَضُ الأمانةُ على السموات والأرض والجبال فيمتنعن عن حملها ثم يتحملها الإنسان بما وهبه الله, تعالى, من العقل وما أعطاه من إرادة وتصرف
وبين الله تعالى في خاتمة السورة ، شأن الأمانة ، وعظم خطرها ، وأنها عند الله بمكان عظيم ؛ وذلك لأن من أعطى من نفسه موثقاً ، عاهد الله عليه فاطمأنت به النفوس ووثقت به ، وركنت إليه وأدرجته في عداد من يشد أزرها ، فإذا هو غادر خائن كاذب متلاعب ، يتخذ عهود الله هزؤاً ولعباً ، فيخذل من وثق به ، ويمالئ العدو عليه ويثبط من يرجى منه نوع معونة ، ويوقع الأراجيف ليوهي العزائم ويضعف الهمم ، فتكثر القالة وترتبك العامة فما أسوأ ما يأتي به ، وما أفظع ما أرتكب وما أعظم جريمته ! .
وجلي أن عظم الجريمة بقدر عظم آثارها ، وما ذكر بعض من آثارها ، ففي أي : مرتبة تكون الخيانة ؟ لا جرم أنها في أحط المهاوي الدنيئة . كما أن مرتكبها في الدرك الأسفل من النار ،
فمن أدى حق الله وحق عباده أثيب ، ومن فرط في حق الله وحق عباده استحق العقاب .
-------------------------
توقفت مليا عند قول الحق سبحانه ( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ) (72) سورة الأحزاب وأحسست بعظم الأمر الذي تحمله الإنسان واعتذرت عنه باقي المخلوقات لخطورته وشدة ثقله قال القرطبي في تفسير هذه الآية : الأمانة تعم جميع وظائف الدين ا.هـ فما هي هذه الأمانة ؟
إنها أمانة الاستخلاف في الأرض وعمارتها وفق شرع الله وحيث إن الأمانة في معناها اللغوي المباشر تعني أداء الحقوق إلى أهلها والبعد عن الغدر والخيانة فإن من أعظم الأمانات أداء حقوق الله تعالى بعبادته وتوحيده وطاعته فهو سبحانه قد أخذ العهد علينا ونحن في أصلاب آبائنا ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ) 172 الأعراف فمن عبد غير الله أو أشرك معه غيره فقد خان هذه الأمانة ! ـويعظم الأمر في حق العلماء الذين يحرفون الكلم عن مواضعه ويزورون شرعه فهم جمعوا مع خيانة الأمانة جريمة إضلال غيرهم من الناس عن سبيل الله فحملوا أوزارهم وأوزار من أضلوهم ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ) 187 آل عمران , جاء في تفسير الآية في الجلالين
( "و" اُذْكُرْ "إذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب" أَيْ الْعَهْد عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاة "لَيُبَيِّنُنَّه" أَيْ الْكِتَاب "لِلنَّاسِ وَلَا يَكْتُمُونَهُ" أَيْ الْكِتَاب بِالْيَاءِ وَالتَّاء بِالْفِعْلَيْنِ "فَنَبَذُوهُ" طَرَحُوا الْمِيثَاق "وَرَاء ظُهُورهمْ" فَلَمْ يَعْمَلُوا بِهِ "وَاشْتَرَوْا بِهِ" أَخَذُوا بَدَله "ثَمَنًا قَلِيلًا" مِنْ الدُّنْيَا مِنْ سَفَلَتهمْ بِرِيَاسَتِهِمْ فِي الْعِلْم فَكَتَمُوهُ خَوْف فَوْته عَلَيْهِمْ "فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ" شِرَاؤُهُمْ هَذَا )
وتتنوع الأمانة لتشمل كل شيء في حياتنا وتعاملاتنا مع الله ومع أنفسنا ( النفس أمانة ولذا جاء الوعيد الشديد لمن يزهق روحه ) ومع الآخرين ومع الحيوانات ومع الكون كله ومن يتتبع نصوص الشرع يتضح له ذلك جليا وما الدعوة إلى بر الوالدين وحق المسلم على المسلم وحقوق الأبناء وحقوق الراعي والرعية وحقوق الحيوان بل وحق الطبيعة في ألا يعبث بها إلا دليلا على شمول معنى الأمانة وإحاطتها بكل شؤون الحياة فما أثقل هذه الأمانة التي علينا مراعاتها في كل لحظة من لحظاتها وما أعظم جرم من فرط فيها وأضاعها ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) 27 الأنفال وقال صلى الله عليه وسلم ( أد الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك )
وأختم بملمح بسيط لا أدري أأنا سابق إليه أم مسبوق ؟ وهو الربط بين الأمانة وبين الأمن فكأن المجتمع الذي يتسم أفراده بالأمانة والتخلق بها فيؤدون حقوق غيرهم ويلتزمون بها ولا يخونون ولا يغدرون يعيشون يظللهم الأمن وتحوطهم الطمأنينة من كل جانب ( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ) 82 الأنعام وانظروا للمعنى اللطيف في قوله صلى الله عليه وسلم ( آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف ، وإذا أؤتمن خان ) فالمنافق يخفي حقيقته عن الناس ويفاجئهم بما لم يتوقعوه فيجعل من يتعامل معه في خوف وقلق وترقب لغدره وخيانته التي لا يعلم من أين تأتيه فيسود بين الناس سوء الظن وسوء الخلق وغياب المروءة فيتفكك المجتمع وتتقطع أوصار العلاقة بين أفراده
ألا فلنتذكر عظم هذه الأمانة التي تحملناها وعظم ذنب من يضيعها قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة) [متفق عليه] وبالمقابل عظم من يلتزم بها في الدنيا فتكون شعارا له في الحياة تأسيا منه بنبيه صلى الله عليه وسلم الذي لم تجد قريش وصفا لتصف به عظيم أخلاقه خيرا من وصفهم له ب ( الصادق الأمين ) وأيم الله إنهم وفقوا أعظم توفيق في اختيار الوصف فصفة الصدق والأمانة جامعة لكل صفات الخير وشمائل الخلق القويم
أعاننا الله وإياكم على المحافظة على الأمانة وأداء الحقوق إلى أصحابها وحشرنا في زمرة الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم
ردود على "ماهي الأمانة التي عرضها الله سبحانه وتعالي علي السماوات والأرض"
أترك تعليقا