في إستراتيجية الدفاع الوطنية الأمريكية، جاء أمن المعلومات مركزا على قدسية قطاع الاتصالات لما له من دور هام في توحيد الجهود المتعلقة بالحفاظ على الأمن، وتؤكد تلك الاستراتيجية ًعلى أهمية التكنولوجيا ومعداتها وتعتبرها من أدوات القوة الكلية،و تذهب إلى التأكيد على أن إمكانية الاختراق تظل قائمة بنسبة عالية،وتدعوالى الاهتمام بأمن المعلومات وبتأمين الشبكات لكونه يعتبر تحدياً حاسماً وعنصراً هاماً من عناصر الأمن القومي .
هذا الادراك لتغير طبيعة التحديات ولأمن المعلومات وتأمين الشبكات الحاضر في الفكر الاستراتيجي الاميركي كان غائبا عن الفكر الاستراتيجي الايراني،بل انه تحول من استعدد دفاعي في الاستراتيجية الاميركية الى أستراتيجية هجومية . فقبل ايام قليلة قالت شركة سمانتك ' Symantec ان اجهزة الكمبيوتر في ايران تعرضت لهجوم من دودة الكترونية ' worm ' لسرقة معلومات و اسرار من انظمة تحكم صناعية . وقد تم تصميم الفيروس المهاجم المسمى ستكسنت ' Stuxnet ' خصيصاً لاختراق انظمة التحكّم والحصول على البيانات من اجهزة من انتاج شركة سيمنس ' Siemens' الالمانية، حيث شاركت سيمنس في التصميم الأصلي لمفاعل بوشهر خلال فترة حكم الشاه. واكبر الضرر تعرضت له ايران بما يصل الى 60% من اجهزة الكمبيوتر المصابه عالميا . ومما تجدر الاشارة اليه قول بعض المختصين ان ثمة دولة وراء الفيروس الذي ينتقل من جهاز الى آخر عبر بطاقات الذاكرة 'USB' ويتكاثر أثناء انتقاله.بل انه صمم لاتلاف مفاعل ابو شهر النووي بعد تراجع خيار الضربة العسكرية . وقد أقرت طهران بالهجوم ، وقالت ان مختصين يحاولون إخراج الفيروس من الكومبيوترات المصابة لكنها أكدت ان أنظمه مفاعل بوشهر تعمل بشكل طبيعي ولم تتعرض لأي عطل .
في دول مجلس التعاون قد لا نملك مفاعلات نووية حتى الان،لكن لدينا ثغرات عبر أجهزة الحاسب الالي في دوائرة حكومية قد تكلف الكثير لو استطاع 'هاكر' ايقافها عن العمل ، ولا نكون متحاملين عند القول انه لا يوجد لدينا حضور قوي لمفهوم أمن المعلومات. ولنا في الكويت تجربة معنوية قاسية حين أجبرت الالتزامات الدبلوماسية وزارة الخارجية الكويتية على الاعتذار للملكة المغربية الشقيقة حين قام هاكر من الهواة مغربي الجنسية باختراق موقع الديوان الاميري الكويتي للتعبيرعن غضبه للمساس بالمراة المغربية عبر مسلسل كرتوني كويتي . وحين نستذكر ما جرى في الكويت رغم بساطته، وما يقوم به الفيروس ستكسنت ' Stuxnet ' من ضرر في مفاعل بوشهر نصاب بالهلع . وكيف لا نجزع حين تعتبر لافتات 'ممنوع التصوير منطقة عسكرية ' هي أقصى درجات تقنية الحماية والاحتراز الأمني لغرفة نظام التحكم أو لسياج منصة اطلاق صواريخ الدفاع عن سماء الخليج.
وقد نهدأ لنصاب بالهلع مرة اخرى، حين نقرأ اعلان ترويجي عن برنامج' Sub7 Glold يحرضنا بدعوته انه أقوى برنامج اختراق عالمي وبسرعة رائعـة، وشرح كامل لاختراق اكبر الشبكات. نقرأ ذلك لنجد كلمتي' ممنوع الدخول' على ورقة A4' بيضاء ،هي فقط ما يحول بين شاب عابث ممسك بجهاز تلفون ذكي ' smartphone' مثل ' iPhone' أو BlackBerry' ' المتصل بالانترنت وبين اجهزة الكمبيوتر في مراكز العمليات لمصفاة نفطية أو في وحدات الامداد التي تسجل كمية ذخائر الخط الاول ،وجداول الصيانة الدورية للطائرات ودرجات الجاهزية لوحدات المناورة .
ما يجري في أبوشهر لو انتقل الينا سيجعلنا نبكي على واقع لانملك همة النهوض لتغييره،حيث إن تحديات المستقبل تفرض علينا وضع أطر علمية وعملية عاجلة منها نشر الوعي بأهمية أمن المعلومات وخطورة الجرائم الرقمية،ليس بين افراد المؤسسات الحساسة فحسب بل بين افراد المجتمع كافة . كما ان التحديات تفرض تأهيل القائمين على منع و ضبط منتهكي أمن المعلومات بعد سن القوانين والتشريعات الخاصة بالجرائم الرقمية ، فكم من قضية مشابهة تعاملنا معها ببدائية، وكم من مرة أفلت عابث بأمن المعلومات الحساسة بسبب تغطيتنا لجهلنا بدعوى ان الاختراق تم لمعلومات نمطية ومتكررة.